@ 290 @ لأن خير ما يفسر به القرآن بعد القرآن السنة ، ومنه بهذا المعنى قوله هنا { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } وقد جاءت الفتنة في موضع بمعنى الحجة ، وهو قوله تعالى في الأنعام { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } أي حجتهم كما هو الظاهر . .
واعلم أن مرض القلب في القرآن يطلق على نوعين : .
أحدهما : مرض بالنفاق والشك والكفر ، ومنه قوله تعالى في المنافقين { فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } وقوله هنا { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي كفر وشك . .
والثاني : منهما إطلاق مرض القلب على ميله للفاحشة والزنى ، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي ميل إلى الزنى ونحوه ، والعرب تسميى انطواء القلب على الأمور الخبيثة : مرضاً وذلك معروف في لغتهم ومنه قول الأعشى : فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي ميل إلى الزنى ونحوه ، والعرب تسميى انطواء القلب على الأمور الخبيثة : مرضاً وذلك معروف في لغتهم ومنه قول الأعشى : % ( حافظ للفرج راض بالتقى % ليس ممن قلبه فيه مرض ) % .
وقوله هنا { وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } قد بينا في سورة البقرة الآيات القرآنية الدالة على سبب قسوة القلوب في الكلام على قوله { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذالِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } وآية الحج هذه تبين أن ما أشهر على ألسنة أهل العلم ، من أن النَّبي هو من أوحى إليه وحي ، ولم يؤمر بتبليغه ، وأن الرسول هو النَّبي الذي أوحى إليه ، وأمر بتبليغ ما أوحى إليه غير صحيح ، لأن قوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ } . يدل على أن كلاً منهما مرسل ، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير واستظهر بعضهم أن النَّبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته ، وأن النَّبي المرسل الذي هو غير الرسول ، هو من لم ينزل عليه كتاب وإنما أوحى إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله ، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة ، كما بينه تعالى بقوله { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ } وقوله في هذه الآية { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تخشع وتخضع وتطمئن .