@ 288 @ .
والحاصل : أن القرآن دل على بطلانها ، ولم تثبت من جهة النقل ، مع استحالة الإلقاء على لسانه صلى الله عليه وسلم لما ذكر شرعاً ، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان . فتبين أن نطق النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك الكفر ، ولو سهواً مستحيل شرعاً ، وقد دل القرآن على بطلانه ، وهو باطل قطعاً على كل حال ، والغرانيق : الطير البيض المعروفة واحدها : غرنوق كزنبور وفردوس ، وفيه لغات غير ذلك ، يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض ، فتشفع عنده لعابديها قبحهم الله ما أكفرهم ، ونحن وإن ذكرنا أن قوله { فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ } يستأنس به لقول من قال : إن مفعول الإلقاء المحذوف تقديره : ألقى الشيطان في قراءته ما ليس منها ، لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي ، ومعناه الإبطال والإزالة من قولهم : نسخت الشمس الظل ، ونسخت الريح الأثر ، وهذا كأنه يدل على أن الله ينسخ شيئاً ألقاه الشيطان ، ليس مما يقرؤه الرسول أو النَّبي ، فالذي يظهر لنا أنه الصواب . وأن القرآن يدل عليه دلالة واضحة ، وإن لم ينتبه له من تكلم على الآية من المفسرين : هو أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النَّبي : الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها ، كإلقائه عليهم أنهم سحر أو شعر ، أو أساطير الأولين ، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده . .
والدليل على هذا المعنى : أن الله بين أن الحكمة في الإلقاء المذكور امتحان الخلق ، لأنه قال { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ثم قال { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } فقوله { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ } . يدل على الشيطان يلقي عليهم ، أن الذي يقرأه النَّبي ليس بحق فيصدقه الأشقياء ، ويكون ذلك فتنة لهم ، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم ، ويعلمون أنه الحق لا الكذب كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه : فهذا الامتحان لا يناسب شيئاً زاده الشيطان من نفسه في القراءة ، والعلم عند الله تعالى . .
وعلى هذا القول ، فمعنى نسخ ما يلقى الشيطان : إزالته وإبطاله ، وعدم تأثيره في المؤمنين الذين أوتوا العلم . .
ومعنى يحكم آياته : يتقنها بالإحكام ، فيظهر أنها وحي منزل منه بحق ، ولا يؤثر في ذلك محاولة الشيطان صد الناس عنها بإلقائه المذكور ، وما ذكره هنا من أنه يسلط الشيطان فيلقى في قراءة الرسول والنَّبي ، فتنة للناس ليظهر مؤمنهم من كافرهم .