@ 287 @ أمية بن خالد ، وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها . .
فقد أخرج البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب ، ثم ساق حديث القصة المذكورة ، وقال البزار : لا يرى متصلاً إلا بهذا الإسناد ، تفرد بوصله أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور ، وقال البزار : وإنما يروى من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس . والكلبي متروك . .
فتحصل أن قصة الغرانيق ، لم ترد متصلة إلا من هذا الوجه الذي شك رواية في الوصل ، ومعلوم أن ما كان كذلك لا يحتج به لظهور ضعفه ، ولذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : إنه لم يرها مسندة من وجه صحيح . .
وقال الشوكاني في هذه القصة : ولم يصح شيء من هذا ، ولا يثبت بوجه من الوجوه ، ومع عدم صحته ، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاٌّ قَاوِيلِ } وقوله { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } . وقوله { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون ، ثم ذكر الشوكاني عن البزار أنها لا تروى بإسناد متصل ، وعن البيهقي أنه قال : هي غير ثابتة من جهة النقل ، وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة : أن هذه القصة من وضع الزنادقة وأبطلها ابن العربي المالكي ، والفخر الرازي وجماعات كثيرة ، وقراءته صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسجود المشركين ثابت في الصحيح ، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق . وعلى هذا القول الصحيح وهو أنها باطلة فلا إشكال . .
وأما على ثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن حجر فإنه قال في فتح الباري : إن هذه القصة ثابتة بثلاثة أسانيد كلها على شرط الصحيح ، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل ، وكذلك من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض ، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها ، دل ذلك على أن لها أصلاً . فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها ، وأقربها : أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة ترتيلاً تتخلله سكتات ، فلما قرأ { وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ الاٍّ خْرَى } قال الشيطان لعنه الله محاكياً لصوته : تلك الغرانيق العلى الخ فظن المشركون أن الصوت صوته صلى الله عليه وسلم ، وهو برىء ومن ذلك براءة الشمس من اللمس ، وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحاً وافياً ، واختصرناها هنا ، وفي كتابنا : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .