@ 269 @ أعلم . .
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } : أي لنبين لكم بهذا النقل من طور إلى طور ، كمال قدرتنا على البعث بعد الموت ، وعلى كل شيء ، لأن من قدر على خلق البشر من تراب أولاً ، ثم من نطفة ثانياً ، مع ما بين النطفة والتراب من المنافاة والمغايرة وقدر على أن يجعل النطفة علقة ، مع ما بينهما من التباين والتغاير ، وقدر على أن يجعل العلقة مضغة ، والمضغة عظاماً ، فهو قادر بلا شك على إعادة ما بدأه من الخلق ، كما هو واضح وقوله { لِّنُبَيِّنَ } الظاهر أنه متعلق بخلقناكم ، في قوله { ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } : أي خلقناكم خلقاً من بعد خلق على التدريج المذكور : لنبين لكم قدرتنا على البعث وغيره . .
وقال الزمخشري مبيناً نكتة حذف مفعول : لنبين لكم ما نصه : وورود الفعل غير معدي إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يكتنهه بالذكر ، ولا يحيط به الوصف . انتهى منه . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَنُقِرُّ فِى الاٌّ رْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي نقر في أرحام الأمهات ما نشاء إقراره فيها ، من الأحمال ، والأجنة إلى أَجل مسمى : أي معلوم معين في علمنا ، وهو الوقت الذي قدره الله لوضع الجنين ، والأجنة تختلف في ذلك حسبما يشاؤه الله جل وعلا ، فتارة تضعه أمه لستة أشهر ، وتارة لتسعة ، وتارة لأكثر من ذلك . وما لم يشأ الله إقراره من الحمل مجته الأرحام وأسقطته ، ووجه رفع : ونقر أن المعنى : ونحن نقر في الأرحام ، ولم يعطف على قوله { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } لأنه ليس علة لما قبله ، فليس المراد : خلقناكم من تراب ، ثم من نطفة ، لنقر في الأرحام ما نشاء ، وبذلك يظهر لك رفعه ، وعدم نصبه ، وقراءة من قرأ : ونقر بالنصب عطفاً على : لنبين ، على المعنى الذي نفيناه على قراءة الرفع ، ويؤيد معنى قراءة النصب قوله بعده { ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي وذلك بعد أن يخلق الله المضغة عظاماً ، ثم يكسو العظام لحماً ، ثم ينشىء ذلك الجنين خلقاً آخر ، فيخرجه من بطن أمه في الوقت المعين لوضعه في حال كونه طفلاً : أي ولداً بشراً سوياً . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } أي لتبلغوا كمال قوتكم ، وعقلكم ، وتمييزكم بعد إخراجكم من بطون أمهاتكم في غاية الضعف وعدم علم شيء .