@ 128 @ يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } . .
تنبيه .
في آية ( طه ) هذه وآية ( الإسراء ) المذكورتين إشكال معروف . وهو أن يُقال : إنهما قد دَلتا على أن الكافر يُحَشر يوم القيامة أعمى ، وزادت آية ( الإسراء ) أنه يحشر أبكم أصم أيضاً ، مع أنه دلت آيات من كتاب الله على أن الكفار يوم القيامة يبصرون ويسمعون ويتكلمون . كقوله تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } ، وقوله تعالى : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } ، وقوله تعالى : { رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد ذكرنا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب . عن آيات الكتاب ) الجواب عن هذا الإشكال من ثلاثة أوجه : .
الوجه الأول واستظهره أبو حيان أن المراد بما ذكر من العمى والصمم والبكم حقيقته . ويكون ذلك في مبدأ الأمر ثم يرد الله تعالى إليهم أبصارهم ونطقهم وسمعهم فيرون النار ويسمعون زفيرها ، وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع . الوجه الثاني أنهم لا يرون شيئاً يسرهم ، ولا يسمعون كذلك ، ولا ينطقون بحجة ، كما أنهم كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ولا يسمعونه . وأخرج ذلك ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وروي أيضاً عن الحسن كما ذكره الألوسي وغيره . وعلى هذا القول فقد نزل ما يقولونه ويسمعونه ويبصرونه منزلة العدم لعدم الانتفاع به . كما أوضحنا في غير هذا الموضع . ومن المعلوم أن العرب تطلق لا شيء على ما لا نفع فيه . ألا ترى أن الله يقول في المنافقين : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ، مع أنه يقول فيهم : { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ، ويقول فيهم : { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم . ويقول فيهم : { وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء : فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم ، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب : وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء : فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم ، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب : % ( صُمٌّ إذا سمعوا خيراً ذُكِرت به % وإن ذكرت بسوء عندهم أَذنوا ) %
