@ 356 @ . وهذا الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من أنه يقول للناس أنه بشر ، ولكن الله فضله على غيره بما أوحى إليه من وحيه جاء مثله عن الرسل غيره صلوات الله وسلامه عليهم في قوله تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } . فكون الرسل مثل البشر من حيث أن أصل الجميع وعنصرهم واحد ، وأنهم تجري على جميعهم الأعراض البشرية لا ينافي تفضيلهم على سائر البشر بما خصهم الله به من وحيه واصطفائه وتفضيله كما هو ضروري . .
وقال بعض أهل العلم : معنى هذه الآية قل يا محمد للمشركين : إنما أنا بشر مثلكم ، فمن زعم منكم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به ، فإنني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به عما سألتم عنه من أخبار الماضين كقصة أصحاب الكهف . وخبر ذي القرنين . وهذا له اتجاه والله تعالى أعلم . قوله تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } . قوله في هذه الآية : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ } يشمل كونه يأمل ثوابه ، ورؤية وجهه الكريم يوم القيامة ، وكونه يخشى عقابه . أي فمن كان راجياً من ربه يوم يلقاه الثواب الجزيل والسلامة من الشر فليعمل عملاً صالحاً . وقد قدمنا إيضاح العمل الصالح وغير الصالح في أول هذه السورة الكريمة وغيرها ، فأغنى عن إعادته هنا . .
وقوله : { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } قال جماعة من أهل العلم . أي لا يرائى الناس في عمله ، لأن العمل بعبادة الله لأجل رياء الناس من نوع الشرك ، كما هو معروف عند العلماء أن الرياء من أنواع الشرك . وقد جاءت في ذلك أحاديث مرفوعة . وقد ساق طرفها ابن كثير في تفسير هذه الآية . والتحقيق أن قوله : { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } أعم من الرياء وغيره ، أي لا يعبد ربه رياء وسمعة ، ولا يصرف شيئاً من حقوق خالقه لأحد من خلقه ، لأن الله يقول : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } في الموضعين ، ويقول : { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ } ، إلى غير ذلك من الآيات . .
ويفهم من مفهوم مخالفة الآية الكريمة : أن الذي يشرك أحداً بعبادة ربه ، ولا يعمل صالحاً أنه لا يرجو لقاء ربه ، والذي لا يرجو لقاء ربه لا خير له عند الله يوم القيامة . .
وهذا المفهوم جاء مبيناً في مواضع أخر ، كقوله تعالى فيما مضى قريباً : { أُوْلَائِكَ