@ 353 @ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً } أنهم لا قدر لهم عند الله لحقارتهم ، وهو أنهم بسبب كفرهم . وذلك كقوله عنهم : { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، أي صاغرين أذلاء حقيرين ، وقوله : { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } وقوله : { قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هوانهم وصغارهم وحقارتهم . .
وقد دلت السنة الصحيحة على أن معنى الآية يدخل فيه الكافر السمين العظيم البدن . لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة . قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن عبد الله . حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن ، حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ) وعن يحيى بن بكير ، عن المغير بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد مثله ا ه . من البخاري . .
وهذا الحديث أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه ، وهو يدل على أن نفس الكافر العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة . وفيه دلالة على وزن الأشخاص . وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره هذه الآية بعد أن أشار إلى حديث أبي هريرة المذكور ما نصه : وفي هذا الحديث من الفقه ذم السمن لمن تكلفه . لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم . بل يدل على تحريم الأكل الزائد على قدر الكفاية ، المبتغى به الترفه والسمن . وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الحبر السمين ) ومن حديث عمران بن حصين عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم قرنى ثم الذين يلونهم قال عمران . فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن من بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ) وهذا ذم . وسبب ذلك : أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الأكل والشره والدعة والراحة والأمن ، والاسترسال مع النفس على شهواتها . فهو عبد نفسه لا عبد ربه . ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام ، وكل لحم تولد منسحت فالنار أولى به . وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الأكل فقال : { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الاٌّ نْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } فإذا كان المؤمن يتشبه بهم . ويتنعم تنعمهم في كل أحواله وأزمانه ، فأين حقيقة الإيمان والقيام بوظائف الإسلام . ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه ، وزاد