@ 193 @ .
وهذا الذي فسرنا به قوله تعالى { قَيِّماً } هو قول الجمهور وهو الظاهر . وعليه فهو تأكيد في المعنى لقوله { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } لأنه قد يكون الشيء مستقيماً في الظاهر وهو لا يخلو من اعوجاج في حقيقة الأمر . ولذا جمع تعالى ، بين نفي العوج وإثبات الاستقامة . وفي قوله ( قيماً ) وجهان آخران من التفسير : .
الأول أن معنى كونه ( قيماً ) أنه قيم على ما قبله من الكتب السماوية ، أي مهيمن عليها وعلى هذا التفسير فالآية كقوله تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } . .
ولأجل هيمنته على ما قبله من الكتب قال تعالى : { إِنَّ هَاذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . وقال : { التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ } وقال { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } . .
الوجه الثاني أن معنى كونه ( قيماً ) : أنه قيم بمصالح الخلق الدينية والدنيوية . وهذا الوجه في الحقيقة يستلزمه الوجه الأول . .
واعلم أن علماء العربية اختلفوا في إعراب قوله ( قيِّماً ) فذهب جماعة إلى أنه حال من الكتاب . وأن في الآية تقديماً وتأخيراً ، وتقريره على هذا : أنزل على عبده الكتاب في حال كونه قيماً ولم يجعل له عوجاً . ومنع هذا الوجه من الإعراب الزمخشري في الكشاف قائلاً : إن قوله { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } معطوف على صلة الموصول التي هي جملة { أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } والمعطوف على الصلة داخل في حيز الصلة . فجعل ( قيِّماً ) حال من ( الكتاب ) يؤدي إلى الفصل بين الحال وصاحبها ببعض الصلة ، وذلك لا يجوز . وذهب جماعة آخرون إلى أن ( قيِّماً ) حال من ( الكتاب ) وأن المحذور الذي ذكره الزمخشري منتف . وذلك أنهم قالوا : إن جملة { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } ليست معطوفة على الصلة ، وإنما هي جملة حالية . وقوله ( قيِّماً ) حال بعد حال ، وتقريره : أن المعنى أنزل على عبده الكتاب في حال كونه غير جاعل فيه عوجاً ، وفي حال كونه قيماً . وتعدد الحال لا إشكال فيه ، والجمهور على جواز تعدد الحال مع اتحاد عامل الحال وصاحبها ، كما أشار له في الخلاصة بقوله : وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } ليست معطوفة على الصلة ، وإنما هي جملة حالية . وقوله ( قيِّماً ) حال بعد حال ، وتقريره : أن المعنى أنزل على عبده الكتاب في حال كونه غير جاعل فيه عوجاً ، وفي حال كونه قيماً . وتعدد الحال لا إشكال فيه ، والجمهور على جواز تعدد الحال مع اتحاد عامل الحال وصاحبها ، كما أشار له في الخلاصة بقوله : % ( والحال قد يجيء ذا تعدد % لمفرد فاعلم وغير مفرد ) %