@ 188 @ .
وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى مبيناً سبب جحوده لما علمه ( في سورة النمل ) بقوله : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِى تِسْعِ ءَايَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } . قوله تعالى : { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أنزل هذا القرآن بالحق : أي متلبساً به متضمناً له . فكل ما فيه حق . فأخباره صدق ، وأحكامه عدل . كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } وكيف لاا وقد أنزله جل وعلا بعلمه . كما قال تعالى : { لَّاكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } ، وقوله : { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله . لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوي لا يغلب عليه حتى يغير فيه ، أمين لا يغير ولا يبدل . كما أشار إلى هذا بقوله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاٌّ مِينُ عَلَى قَلْبِكَ } ، وقوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } ، وقوله : في هذه الآية : { لَقَوْلُ رَسُولٍ } أي لتبليغه عن ربه . بدلالة لفظ الرسول لأنه يدل على أنه مرسل به . ! 7 < { وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً * قُلْ ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاٌّ ذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلاٌّ ذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا * قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاٌّ سْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذالِكَ سَبِيلاً * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } > 7 ! قوله تعالى : { وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } . قرأ هذا الحرف عامة القرآء ( فَرَقْنَاهُ ) بالتخفيف : أي بيناه وأوضحناه ، وفصلناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل . وقرأ بعض الصحابة { فَرَقْنَاهُ } بالتشديد : أي أنزلناه مفرقاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة . ومن إطلاق فرق بمعنى بين وفصل قوله تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } . .
وقد بين جل وعلا أنه بين هذا القرآن لنبيه ليقرأه على الناس على مكث ، أي مهل وتؤدة وتثبت ، وذلك يدل على أن القرآن لا ينبغي أن يقرأ إلا كذلك . وقد أمر تعالى بما يدل على ذلك في قوله : { وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً } ويدل لذلك أيضاً قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } وقوله تعالى : { وَقُرْءانًا } منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده . على حد قوله في الخلاصة : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } وقوله تعالى : { وَقُرْءانًا } منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده . على حد قوله في الخلاصة :