@ 460 @ في قوله تعالى : { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ } . فقال له ابن الأعرابي : لا بأس أيها النسناسا هب أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان نبياً ! أما كان عربياً ؟ .
قال مقيده عفا الله عنه : والجواب عن هذا السؤال ظاهر ، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف . لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم ، وتحيط بها كالباس . ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبرَّ به عن آثار الجوع والخوف ، أوقع عليه الإذاقة ، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها ( منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ) : أنه لا يجوز لأحد أن يقول إن في القرآن مجازاً ، وأوضحنا ذلك بأدلته ، وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازاً أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية . .
وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية ، فبعضهم يقول : فيها استعارة مجردة . يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له . وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع والخوف ، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية ، ثم ذكر الوصف ، الذي هو الإذاقة ملائماً للمستعار له ، الذي هو الجوع والخوف . لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة لكثرة الاستعمال . فيقولون : ذاق البؤس والضر ، وأذاقه غيره إياهما . فكانت الاستعارة مجردة لذكر ما يلائم المستعار له ، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة . ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل : فسكاها . لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى ( ترشيحاً ) والكسوة تلائم اللباس ، فذكرها ترشيح للاستعارة . قالوا : وإن كانت الاستعارة المرشحة أبلغ من المجردة ، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ . من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع ، وبذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزداد الكلام وضوحاً . .
وقال بعضهم : هي استعارة مبنية على استعارة . فإنه أولاً استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار والذبول والنحول اسم اللباس ، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه ، فصار اسم اللباس مستعاراً لآثار الجوع والخوف على أبدانهم ، ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف ، المعبر عنه باللباس ، بجامع التعرف والاختبار في كل من الذوق بالفم ، ووجود الألم من الجوع والخوف . وعليه ففي اللباس