63 - فأحد الأصلين في ذكر ما يقع الإستقلال به في إثبات العلم بكلام الله سبحانه وتعالى الصدق ولا مطمع في استقصاء القول في ذلك ولكن القدر الذي يتفطن له العاقل أن العالم لا يخلو عن نطق النفس ثم النطق النفسي لا يكون إلا على حسب تعلق العلم وإذا كان كذلك لم يكن إلا صدقا وإن فرض فارض إجراء شيء في النفس على خلاف العلم فهو وسواس وتقديرات لا يتصور فرضها الا حادثة وهذا القدر على إيجازه مقنع في غرض هذا الفصل .
64 - والأصل الثاني في إثبات اقتضاء المعجزة صدق من ظهرت على يديه ولا سبيل إلى الخوض في شرائطها وأحكامها كملا ولكن قدر غرضنا من ذلك أن المعجزة تكون فعلا لله سبحانه وتعالى خارقا للعادة ظاهرا على حسب سؤال مدعى النبوة مع تحقيق امتناع وقوعه في الاعتياد من غيره إذا كان يبغي معارضة ووجه دلالتها يقرب من إشعار قرائن الأحوال بالعلوم البديهية فإذا قال من يدعى النبوة قد علمتم ربا مقتدرا على ما يشاء وتحققتم أن إحياء الموتى ليس مما يدخل تحت مسالك الحيل ومدارك القوى البشرية وإنما ينفرد بالقدرة عليه إله الخلق تعالى ثم يقول أي رب إن كنت صادقا في دعواى فأحى هذه العظام الرميم فإذا ائتلفت وتمثلت شخصا ينطق فلا يستريب ذو لب في أن ذلك جرى قصدا إلى تصديقه .
وهذا يناظر ما ضربه القاضي أبو بكر رحمة الله عليه في كتبه مثلا حيث قال إذا تصدى ملك للداخلين عليه في مهم سنح وأخذ الناس مجالسهم وتأزر المجلس بأهله ثم قام قائم بمرأى من الملك ومسمع فقال أنا رسول الملك إليكم وآية رسالتي أن ألتمس من الملك أن يقوم ويقعد خارقا عادته المألوفة فيفعل ثم يقول أيها الملك إن كنت رسولك فصدقني بقيامك وقعودك فإذا طابقه الملك قطع الحاضرون