فصل والمسألة الرابعة أن نقول : مما يسأل عنه .
والمسألة الرابعة : أن نقول : مما يسأل عنه قوله تعالى : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية فإن فيها إخبارا بأنه E حرم على نفسه ما أحله الله وقد يدل عليه : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا } ومثل هذا يجل مقام النبي A عم مقتضى الظاهر فيه وأن يكون منهيا عنه ابتداء ثم يأتيه حتى يقال له فيه : لم تفعل ؟ فلا بد من النظر في هذه المصارف .
والجواب : أن آية التحريم إن كانت هي السابقة على آية العقود فظاهر أنها مختصة بالنبي A إذ أريد الأمة ـ على قول من قال من الأصوليين ـ لقال : ( لم تحرمون ما أحل الله لكم ) ؟ كما قال : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } وهو بين لأن سورة التحريم قبل آية الأحزاب لذلك لما آلى إلى النبي A من نسائه شهرا بسبب هذه القصة نزل عليه في سورة الأحزاب : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن } إلخ وأيضا فيحتمل التحريم يمعنى الحلف على أن لا يفعل والحلف إذا وقع فصاحبه مخير بين أن يترك المحلوف عليه وبين أن يفعله ويكفر وقد جاء في آية التحريم : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فدل على أنه كان يمينا حلف A بها وذلك أن الناس اختلفوا في هذا التحريم فقال جماعة : إن كان تحريما لأم ولده مارية القبطية بناء على أن الآية نزلت في شأنها وممن قال به الحسن و وقتادة و الشعبي و نافع مولى ابن عمر أو كان تحرميا لعسل زينب وهو قول عطاء وعبد الله بن عتبة وقال جماعة : إنما كان تحريما بيمين .
قال إسماعيل بن إسحاق : يمكن أن يكون النبي A حرمها ـ يعني جاريته ـ بيمين الله لأن الرجل إذا قال لأمته : والله لا أقربك فقد حرمها على نفسه باليمين فإذا غشيها وجبت عليه كفارة اليمين ثم أتى بمسألة ابن مقرن .
ويمكن أن يكون السبب شرب العسل وهو الذي وقع في البخاري من طريق هشام عن ابن جريج قال فيه : .
شربت عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا وإذا كان كذلك فلم يبق في المسألة إشكال ولا فرق بين الجارية والعسل في الحكم لأن تحريم الجارية كيف ما كان بمنزلة تحريم ما يؤكل ويشرب .
وأما إن فرضنا أن آية العقود هي السابقة على آية التحريم فيحتمل وجهين كالأول .
أحدهما : أن يكون التحريم في سورة التحريم بمعنى الحلف .
والثاني : أن تكون آية العقود غير متناولة للنبي A وأن قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا } لا تدخل فيه بناء على قول من قال بذلك من الأصوليين وعند ذلك لا يبقى في القضية فيه ولا يكون للمجتمع بالآية متعلق والله أعلم