بحث خوارق العادات وإنكار المصرين على العادات لها .
فلما جاءت النبوات بخوارق العادات أنكرها من أصر على الأمور العادية واعتقادها سحرا أو غير ذلك كقلب العصا ثعبانا وفرق البحر وإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص ونبع الماء من بين أصابع اليد وتكليم الحجر والشجر وانشقاق القمر إلى غير ذلك مما تبين به أن تلك العوائد اللازمة في العادات ليست بعقلية بحيث لا يمكن تخلفها بل يمكن أن تتخلف كما يجوز على كل مخلوق أن يصير من الوجود إلى العدم كما خرج من العدم إلى الوجود .
فمبادىء العادات إذا يمكن عقلا تخلفها إذ لو كان عدم التخلف لها عقليا لم يمكن أن تتخلف لا لنبي ولا لغيره ولذلك لم يدع أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الجمع بين النقيضين ولا تحدى أحد بكون الاثنين أكثر من الواحد مع أن الجميع فعل الله تعالى وهو متفق عليه بين أهل الإسلام وإذا أمكن في العصا والبحر والأكمة والأبرص والأصابع والشجر وغير ذلك أمكن في جميع الممكنات لأن ما وجب للشيء وجب لمثله .
وأيضا فقد جاءنا الشرع بأوصاف من أهل الجنة وأهل النار خارجة عن المعتاد الذي عندنا فإن كون الإنسان في الجنة يأكل ويشرب ثم لا يغوط ولا يبول غير معتاد وكون عرقه كرائحة المسك غير معتاد وكون الأزواج مطهرة من الحيض مع كونهن في حالة الصبا وسن من يحيض غير معتاد وكون الإنسان فيها لا ينام ولا يصيبه جوع ولا عطش وإن فرض لا يأكل ولايشرب أبد الدهر غير معتاد وكون الثمر فيها إذا قطف أخلف في الحال ويتدانى إلى يد القاطف إذا اشتهاه غير معتاد وكون اللبن والخمر والعسل فيها أنهارا من غير حلاب ولا عصر ولا نحل وكون الخمر لا تسكر غير معتاد وكون ذلك كله بحيث لو استعمله الإنسان دائما لا يمتلىء ولا يصيبه كظة ولا تخمة ولا يخرج من جسده لا من أذنه ولا أنفه ولا ارفاغه ولا سائر جسده أوساخ ولا أقذار غير معتاد وكون أحد من أهل الجنة لا يهرم ولا يشيخ ولا يموت ولا يمرض غير معتاد .
وكذلك إذا نظرت أهل النار ـ عياذا بالله ـ وجدت من ذلك كثيرا ككون النار لا تأتي عليه حتى يموت كما قال تعالى : { لا يموت فيها ولا يحيا } وسائر أنواع الأحوال التي هم عليها كلها خارق للعادة .
فهذان نوعان شاهدان لتلك العوائد وأشباهها بأنها ليست بعقلية وإنما هي وضعية يمكن تخلفها وإنما لم نحتج بالكرامات لأن أكثر المعتزلة ينكرونها رأسا وقد أقر بها بعضهم وإن ملنا إلى التعريف فلو اعتبر الناظر في هذا العالم لوجد لذلك نظائر جارية على غير معتاد