ووجه ثالث إنقسام العلم إلى البديهي والضروري وغيره .
ووجه ثالث : وهو أن ما ندعي علمه في الحياة ينقسم ـ كما تقدم ـ إلى البديهي الضروري وغيره إلا من طريق ضروري إما بواسطة أو بغير واسطة إذ قد اعترف الجميع أن العلوم المكتسبة لا بد في تحصيلها من توسيط مقدمتين معترف بهما فإن كانتا ضروريتين فذاك وإن كانت مكتسبتين فلا بد في اكتساب كل واحدة منهما من مقدمتين وينظر فيهما كما تقدم وكذلك إن كانت واحدة ضرورية وأخرى مكتسبة فلا بد للمكتسبة من مقدمتين فإن انتهينا إلى ضروريتين فهو المطلوب وإلا لزم التسلسل أو الدور وكلاهما محال فإذا لا يمكن أن نعرف غير الضروري إلا بالضروري .
وحاصل الأمر أنه لا بد من معرفتها بمقدمتين حصلت لنا كل واحدة منهما مما عقلناه وعلمناه من مشاهد باطنة كالألم واللذة أو بدعي للعقل كعلمنا بوجودنا وبأن الاثنين أكثر من الواحد وبأن الضدين لا يمكن اجتماعهما وما أشبه ذلك مما هو لنا معتاد في هذه الدار فإنا لم يتقدم لنا علم إلا بما هو معتاد في هذا الدار وأما ما ليس بمعتاد فقبل النبوات لم يتقدم لنا به معرفة فلو بقينا على ذلك لم نحل ما لم نعرف إلا على ما عرفنا وأنكرنا من ادعى جواز قلب الشجر حيوانا والحيوان حجرا وما أشبه ذلك لأن الذي نعرفه من المعتادات المتقدمة خلاف هذه الدعوى