انقسام المعلومات إلى ضروري ونظري وواسطة بينهما ومكان الشرع منها ووجه توقفه على الأخبار .
وأيضا : فأنت ترى المعلومات عند العلماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام : .
قسم ضروري لا يمكن التشكيك فيه كعلم الإنسان بوجوده وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الضدين لا يجتمعان .
وقسم لا يعلمه البتة إلا أن يعلم به أو يجعل له طريق إلى العلم به وذلك كعلم المغيبات عنه كانت من قبيل ما يعتاد علم العبد به أو لا كعلمه بما تحت رجليه إلا أن مغيبه عنه تحت الأرض بمقدار شبر وعلمه بالبلد القاصي عنه الذي لم يتقدم له به عهد فضلا عم علمه بما في السموات وما في البحار وما في الجنة أو النار على التفصيل فعلمه لما لم يجعل له عليه دليل غير ممكن .
وقسم نظري يمكن العلم به ويمكن أن لا يعلم به ـ وهي النظريات ـ وذلك القسم النظري هو الممكنات التي تعلم بواسطة لا بأنفسها إلا أن يعلم بها إخبارا .
وقد زعم أهل العقول أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة لاختلاف القرائح والأنظار فإذا وقع الاختلاف فيها لم يكن بد من مخبر بحقيقتها في أنفسها إن احتيج إليها لأته لو لم تفتقر إلى الإخبار لم يصح العلم بها لأن المعلومات لا تختلف باختلاف الأنظار لأتها حقائق في أنفسها فلا يمكن أن يكون كل مجتهد فيها مصيبا ـ كما هو معلوم في الأصول ـ وإنما المصيب فيها واحد وهو لا يتعين إلا بالدليل .
وقد تعارضت الأدلة في نظر الناظر فنحن نقطع بأن أحد الدليلين دليل حقيقة والآخر شبهة ولا يعين فلا بد من إخبار بالتعيين .
ولا يقال : إن هذا قول الإمامية : لأنا نقول : بل هو يلزم الجميع فإن القول بالمعصوم غير النبي A يفتقر إلى دليل لأنه لم ينص عليه الشارع نصا يقطع العذر .
فالقول بإثباته نظري فهو مما وقع الخلاف فيه فكيف يخرج عن الخلاف بأمر فيه خلاف ؟ هذا لا يمكن .
فإذا ثبت هذا رجعنا إلى مسألتنا فنقول : الأحكام الشرعية من حيث تقع على أفعال المكلفين من قبيل الضروريات في الجملة وإن اختلفوا في بعض التفاصيل فلتماسها ( ؟ ) .
ونرجع إلى ما بقي من الأقسام فإنهم قد أقروا في الجملة ـ أعني القائلين بالتشريع العقلي ـ أن منه نظريا ومنه ما لا يعلم بضرورة ولا نظر وهما القسمان الباقيان مما لا يعلم له أصل إلا من جهة الإخبار فلا بد فيه من الإخبار لأن العقل غير مستقل فيه وهذا إذا راعينا قولهم وساعدناهم عليه فإنا إن لم نلتزم ذلك على مذاهب أهل السنة فعندنا أن لا نحكم العقل أصلا فضلا عن أن يكون له قسم لا حكم له وعندهم أنه لا بد من حكم فلأجل ذلك نقول : لا بد من الافتقار إلى الخبر وحينئذ يكون العقل غير مستقل بالتفريع فإن قالوا : بل هو مستقل لأن ما لم يقض فيه فإما أن يقولوا فيه بالوقف ـ كما هو مذهب بعضهم ـ أو بأنه على الحظر أو الإباحة ـ كما ذهب إليه آخرون .
فإن قالوا : بالثاني فهو مستقل وإن قالوا بالأول فكذلك أيضا لأنه قد ثبت استقلاله بالبعض فافتقاره في بعض الأشياء لا يدل على افتقاره مطلقا قلنا : بل هو مفتقر على الإطلاق لأن القائلين بالوقف اعترفوا بعدم استقلاله في البعض وإذا ثبت الافتقار في صورة ثبت مطلقا إذ وقف فيه العقل قد ثبت فيه ذلك وما لم يقف فيه فإنه نظري : فيرجع إلى ما تقدم في النظر وقد مر أنه لا بد من حكم ولا يمكن إلا من جهة الإخبار .
وأما القائلون بعدم الوقف فراجعة أقوالهم أيضا إلية أن المسألة نظرية فلا بد من الإخبار وذلك معنى كون العقل لا يستقل بإدراك الأحكام حتى يأتي المصدق للعقل أو المكذب له .
فإن قالوا : فقد ثبت قسم ضروري فيثبت الإستقلال قلنا : إن ساعدناكم على ذلك فلا يضرنا في دعوى الافتقار لأن الأخبار قد تأتي بما يدركه الإنسان بعقله تنبيها لغافل أو إرشادا لقاصر أو إيقاظا لمغمور بالعوائد يغفل عن كونه ضروريا فهو إذا محتاج إليه ولا بد للعقل من التنبيه من خارج وهي فائدة بعث الرسل فإنكم تقولون : إن حسن الصدق النافع والإيمان وقبح الكذب أيضا والكفران معلوم ضرورة وقد جاء الشرع بمدح هذا وذم ذلك وأمر بهذا ونهى عن ذلك .
فلو كان العقل غير مفتقر إلى التنبيه لزم المحال وهو الإخبار بما لا فا ئدة فيه لكنه أتى بذلك فدلنا على أنه نبه على أمر يفتقر العقل إلى التنبيه عليه هذا وجه