ووجه خامس في قول الله تعالى ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة .
ووجه خامس : وهو ما تقدم تقريره في قوله سبحانه وتعالى : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } الآية ـ يشعر في هذا المطلوب أن الخلاف لا يرتفع مع ما يعضده من الحديث الذي فرغنا من بيانه وهو حديث الفرق إذ الآية لا تشعر بخصوص مواضع الخلاف لإمكان أن يبقى الخلاف في الأديان دون دين الإسلام لكن الحديث بين أنه واقع في الأمة أيضا فانتظمته الآية بلا إشكال .
فإذا تقرر هذا ظهر به أن التعيين للفرقة الناجية بالنسبة إليها اجتهادي لا ينقطع الخلاف فيه وإن ادعي فيه القطع دون الظن فهو نظري لا ضروري ولكنا مع ذلك نسلك في المسألة ـ بحول الله ـ مسلكا وسطا يذعن إلى قبوله عقل الموفق ويقر بصحنه العالم بكليات الشريعة وجزئياتها والله الموفق للصواب فنقول : .
لا بد من تقديم مقدمة قبل الشروع في المطلوب وذلك أن الإحداث في الشريعة إنما يقع من جهة الجهل وإما من جهة تحسين الظن بالعقل وإما من جهة اتباع الهوى في طلب الحق وهذا الحصر بحسب الاستقراء من الكتاب والسنة وقد مر في ذلك ما يؤخذ منه شواهد المسألة إلا أن الجهات الثلاث قد تنفرد وقد تجتمع فإذا اجتمعت فتارة تجتمع منها اثنتان وتارة تجتمع الثلاث فأما جهة الجهل فتارة تتعلق بالأدوات التي بها تفهم المقاصد وتارة تتعلق بالمقاصد وأما جهة تحسين الظن فتارة يشرك في التشريع مع الشرع وتارة يقدم عليه وهذان النوعان يرجعان إلى نوع واحد وأما جهة اتباع الهوى فمن شأنه أن يغلب الفهم حتى يغلب صاحبه الأدلة أو يستند إلى غير دليل وهذان النوعان يرجعان إلى نوع واحد فالجميع أربعة أنواع : وهي الجهل بأدوات الفهم والجهل بالمقاصد وتحسيم الظن بالعقل واتباع الهوى فلنتكلم على كل واحد منها وبالله التوفيق