المسألة العشرون أن قوله E : أنه سيخرج من أمتي أقوام على وصف كذا يحتمل أمرين أحدهما : من يجري فيه هواه مجرى الكلب بصاحبه فلا يرجع عنه والثاني : من يكون عند دخوله في البدعة مشرب القلب بها .
إن قوله E : [ وأنه سيخرج في أمتي أقوام على وصف كذا ] يحتمل أمرين : .
أحدهما : أن يريد أن كل من دخل من أمته في هوى من تلك الأهواء ورآها وذهب إليها فإن هواه يجري فيه مجرى الكلب بصاحبه فلا يرجع أبدا عن هواه ولا يتوب من بدعته .
والثاني : أن يريد أن أمته من يكون عند دخوله في البدعة مشرب القلب بها فلا يمكنه التوبة ومنهم من لا يكون كذلك فيمكنه التوبة منها والرجوع عنها .
والذي يدل على صحة الأول هو النقل المقتضى الحجر للتوبة عن صاحب البدعة على العموم كقوله E : .
[ يمرقون من الدين ثم لا يعودون حتى يعود السهم على فوقه ] وقوله : [ إن الله حجر التوبة عن صاحب البدعة ] وما أشبه ذلك ويشهد له الواقع فإنه قلما تجد صاحب بدعة ارتضاها لنفسه يخرج عنها أو يتوب منها بل هو يزداد بضلالتها بصيرة .
روي عن الشافعي أنه قال : مثل الذي ينظر في الرأي ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عولج حتى برىء فأعقل ما يكون قد هاج .
ويدل على صحة الثاني أن ما تقدم من النقل لا يدل على أن لا توبة له أصلا لأن العقل يجوز ذلك والشرع إن يشاء على ما ظاهره العموم فعمومه إنما يعتبر عاديا والعادة إنما تقتضي في العموم الأكثرية لا نحتاج الشمول الذي يجزم به العقل إلا بحكم الاتفاق وهذا مبين في الأصول .
والدليل على ذلك أنا وجدنا من كان عاملا ببدع ثم تاب منها وراجع نفسه بالرجوع عنها كما رجع من الخوارج من رجع حين ناظرهم ابن عباس Bهما وكما رجع المهتدي والواثق وغيرهم ممن كان قد خرج عن السنة ثم رجع إليها وإذا جعل تخصيص بفرد لم يبق الفظ عاما وحصل الانقسام .
وهذا الثاني هو الظاهر لأن الحديث أعطى أوله أن الأمة تفترق ذلك الافتراق من غير إشعار بإشراف أو عدمه ثم بين أن في أمته المفترقين عن الجماعة من يشرب تلك الأهواء فدل أن فيهم من لا يشربها وإن كان من أهلها ويبعد أن يريد أن في مطلق الأمة من يشرب تلك الأهواء إذ كان يكون في الكلام نوع من التداخل الذي لا فائدة فيه فإذا بين أن المعنى أنه يخرج في الأمة المفترقة بسبب الهوى من يتجارى به ذلك الهوى استقام الكلام واتسق وعند ذلك يتصور الانقسام وذلك بأن يكون في الفرقة من يتجارى به الهوى كتجارى الكلب ومن لا يتجارى به ذلك المقدار لأنه يصح أن يختلف التجاري فمنه ما يكون في الغاية حتى يخرج إلى الكفر أو يكاد ومنه ما لا يكون كذلك