ثاني الموطنين اللذين يجوز فيهما ذكر الفرق بأسمائها .
[ لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون : لا قدر من مات منهم فلا تشهدوا جنازتهم ومن مرض منهم فلا تعودوه وهم شيعة الدجال وحق على الله أن يلحقهم بالدجال ] وهذا الحديث غير صحيح عند أهل النقل قال صاحب المغني : لم يصح في ذلك شيء نعم قول ابن عمر ليحيى بن يعمر حين أخبره أ ن القول بالقدر قد ظهر : إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وهم برآء مني ثم استدل : .
بحديث جبريل ـ صحيح لا إشكال في صحته .
خرج أبو داود أيضا من حديث عمر Bه عن النبي A : [ لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم ] ولم يصح أيضا .
وخرج ابن وهب عن زيد بن علي قال : .
[ قال رسول الله A : صنفان من أمتي لا سهم لهم في الإسلام يوم القيامة : المرجئة والقدرية ] و [ عن معاذ بن جبل وغيره يرفعه قال : لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا آخرهم محمد A ] وعن مجاهد بن جبر : .
[ أن رسول الله A قال : سيكون من أمتي قدرية وزنديقية أولئك مجوس ] .
وعن نافع قال : بينما نحن عند عبد الله بن عمر نعوده إذ جاء رجل فقال : إن فلانا يقرأ عليك السلام ـ لرجل من أهل الشام ـ فقال عبد الله : بلغني أنه قد أحدث حدثا فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه السلام سمعت رسول الله A يقول : [ سيكون في أمتي مسخ وخسف وهو في الزنديقية ] .
وعن ابن الديلمي قال : اتينا أبي كعب فقلت له : وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني لعل الله يذهبه من قلبي فقال : لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار قال : ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال لي مثل ذلك قال : ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك وفي بعض الحديث : .
[ لا تكلموا في القدر فإنه سر الله ] وهذا كله أيضا غير صحيح .
وجاء في المرجئة والجهمية شيء لا يصح عن رسول الله A فلا تعديل عليه .
نعم نقل المفسرون أن قوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر } نزل في أهل القدر فروى عبد بن حميد عن أبي هريرة Bه قال : .
أتى مشركوا قريش إلى النبي A يخاصمونه في القدر فنزلت الآية وروى مجاهد وغيره أنها نزلت في المكذبين بالقدر ولكن إن صح ففيه دليل وإلا فليس في الآية ما يعين أنهم من الفرق وكلامنا فيه .
والثاني : حيث تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزيينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس وهم من شياطين الإنس فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشهود على أنهم منهم كما اشتهر عن عمرو بن عبيد وغيره فروى عاصم الأحوال قال : جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه ونال منه فقلت : أبا الخطاب : ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض ؟ فقال : يا أحول أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تحذر ؟ فجئت من عند قتادة وأنا مغتم بما سمعت من قتادة في عمرو بن عبيد وما رأيت من نسكه وهديه فوضعت رأسي نصف النهار وإذا عمرو بن عبيد والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله فقلت : سبحان الله ! تحك آية من كتاب الله ؟ قال إني سأعيدها قال : فتركته حتى حكها فقلت له : أعدها فقال : لا أستطيع .
فمثل هؤلاء لا بد من ذكرهم والتشريد بهم لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعدواة ولا شك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم ـ إذا أقيم ـ عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم وإذا تعارض الضرران يركتب أخفهما وأسهلهما وبعض الشر أهون من جميعه كقطع اليد المتآكلة إتلافها أسهل من إتلاف النفس وهذا شأن الشرع أبدا : يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل .
فإذا فقد الأمران فلا ينبغي أن يذكروا لأن يعنيوا وإن وجدوا لأن ذلك أول مثير للشر وإلقاء العداوة والبغضاء ومتى حصل باليد منهم أحد ذاكره برفق ولم يره أنه خارج من السنة بل يريه أنه مخالف للدليل الشرعي وأن الصواب الموافق للسنة كذا وكذا فإن فعل ذلك من غير تعصب ولا إظهار غلبة فهو الحج وبهذه الطريقة دعي الخلق أولا إلى الله تعالى حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك .
قال الغزالي في بعض كتبه : أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهل أهل الحق أظهروا الحق في معرض التحدي والإدلال ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها حتى انتهى التعصب بطائفة إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها طول العمر قديمة ولولا استيلاء الشيطان بواسطة العناد والتعصب للأهواء لما وجد مثل هذا الاعتقاد مستفزا في قلب مجنون فضلا عن قلب عاقل .
هذا ما قال وهو الحق الذي تشهد له العوائد الجارية فالواجب تسكين الثائرة ما قدر على ذلك والله أعلم