الباب السابع .
في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف وهل على النافي دليل أو لا قال علي قد ذكرنا فيما خلا من هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا أنه لا طريق إلى العلم أصلا إلا من وجهين أحدهما ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس والثاني مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس .
وقد بينا كل ذلك في غير هذا المكان فأغنى عن ترداده وقد بينا أيضا أن بالمقدمات الصحاح الضرورية المذكورة علمنا صحة التوحيد وصحة نبوة محمد A وصدقه في كل ما قال وأن القرآن الذي أتى به هو عهد الله تعالى إلينا فلما كان فيما ذكر لنا عن ربه تعالى وجوب أشياء ألزمناها اجتهاد هذا الإنسان لم يكلفه الله تعالى أكثر ما في وسعه والانتهاء عن أشياء منعنا منها ووعد بالنعيم الأبدي من أطاعه وبالعذاب الشديد من عصاه وتيقنا وجوب صدقه في ذلك لزمنا الانقياد لما أمرنا له بالانقياد له وتيقنا صحة كل ما ذكر لنا ضرورة ولا محيد للنفس عنها بما نقلته الكواف مما أظهر من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الخالق الأول تعالى والشاهد لنبيه A بها على صحة ما أتى به عنه تعالى فوجب علينا تفهم القرآن والأخذ بما فيه فوجدنا فيه التنبيه على صحة ما كنا متوصلين به إلى معرفة الأشياء على ما هي عليه من مدارك العقل والحواس ولسنا نعني بذلك أننا نصحح بالقرآن شيئا كنا نشك فيه من صحة ما أدركه العقل والحواس ولو فعلنا ذلك لكنا مبطلين للحقائق ولسلكنا برهان الدور الذي لا يثبت به شيء أصلا .
وذلك أننا كنا نسأل فيقال لنا بم عرفتم أن القرآن حق فلا بد أن نقول بمقدمات صحاح يشهد لها العقل والحس ثم يقال لنا بماذا عرفتم صحة العقل والحس المصححين لتلك المقدمات فكنا نقول بالقرآن فهذا استدلال فاسد مبطل للحقائق ولكنا قلنا إن في القرآن التنبيه لأهل الجهل والغفلة وحسم شغب أهل العناد وذلك أن قوما من أهل ملتنا يبطلون حجج العقول ويصححون حجج القرآن فأريناهم أن في القرآن إبطال قولهم وإفساد مذاهبهم وأن الله تعالى قد علم أن سيكون في العالم أمثالهم فأخبرنا بما يبطل به شغبهم ويزيل شكوكهم كما قال