التخصيص إذا حقق فيه النظر فهو استثناء صحيح والفرق بين النسخ والاستثناء هو أن الجملة المستثنى منها بعضها ولم يرد قط تعالى إلزامنا إياها بعمومها ولا أراد إلا ما بقي منها بعد الاستثناء .
وأما النسخ فالذي نهينا عنه اليوم قد كان مراد منا بالأمس بخلاف الاستثناء .
وبالله تعالى التوفيق .
فإن قال قائل إن النسخ استثناء الزمان الثاني من إطلاق الفعل على التأييد قيل له وبالله تعالى التوفيق ليس هذا مما نجعله مع الاستثناء المطلق نوعا واحدا لما ذكرنا من أن المستثنى لم يرد قط منا بوجه من الوجوه وأن المنسوخ قد كلفناه هذا فرق ظاهر بين فإن كان هذا المخالف يريد أن يقول إن النسخ نوع من أنواع الاستثناء لأن استثناء زمان تخصيصه بالعمل سائر الأزمان لم نأب عليه ذلك ويكون حينئذ صواب القول إن كل نسخ استثناء وليس كل استثناء نسخا .
وهذا صحيح .
فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه .
قال أبو محمد أنكر بعض اليهود النسخ جملة وقد تكلمنا في هذا في كتابنا الموسوم بالفصل ونعيد ههنا منا ما يليق بغرض كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .
فنقول وبالله تعالى التوفيق إن منكري النسخ قالوا ليس من الحكمة أن يأمر الله تعالى بشيء أمس ثم ينهى عن مثله اليوم وهذا من نظائر قول أصحابنا بالعلل وهؤلاء قوم يتعقبون على ربهم تعالى فيقال لهم أخبرونا أي حكمة وجبت عليه تعالى أن يأمر أمس بما أمر به أترى لو لم يأمر تعالى بما أمر به لكانت تبطل حكمته أو لو أمر بغير ما أمر به لكانت تبطل حكمته أو ترون إذ قدس الأرض المقدسة ولعن أريحا ولعن أورشليم أكان ذلك مفسدا لحكمته وإذ حظر العمل في السبت وأباحه في الأحد أرأيتم لو عكس الأمر أكان ذلك مبطلا لحكمته فإن راموا فرقا بين شيء من ذلك لحقوا بالمجانين وجاهروا بما لا يفهم وبما يعلم بطلانه