فني لأن أفعالنا أعراض فانية ولا يجوز أن ينهى عما قد فني إذ لا سبيل إلى عودته أبدا .
وكذلك لا يجوز أن يؤمر أيضا بما قد فني لأنه لا يجوز أن يعود أيضا ولا أن يباح لنا ما قد فني أيضا لأن كل هذا محال وإن كان لم يقع منا فكيف ينسخ شيء لم يكن بعد فصح أن المرفوع إنما هو الأمر المتقدم لا الفعل الذي لم تفعله بعد فإذا قد صح أن الأمر هو المرفوع فهو المنسوخ والنسخ إنما يقع في الآمر لا في الأمر ولا في المأمور به .
وبالله تعالى التوفيق .
وبرهان ما ذكرناه قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن لله على كل شيء قدير } فأخبر تعالى أن الآية هي المنسوخة لا أفعالنا المأمور بها والمنهي عنها والآية هي الأمر الوارد من قبله تعالى بإيجاب ما أوجب أو تحريم ما حرم .
وأما المأمور به فهي حركاتنا وأعمالنا من صلاة وصيام وإقامة حد وغير ذلك فصح ما ذكرنا نصا وبالله تعالى التوفيق .
فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ .
وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء فقوم جعلوها كلها نوعا واحدا .
قال أبو محمد وهذا خطأ لأن النسخ هو رفع حكم قد كان حقا وسواء عرفنا أنه سيرفع عنها أو لم نعرف بذلك وقد أعلم الله تعالى موسى وعيسى عليهما السلام أنه سيبعث نبيا يسمى محمدا بشرائع مخالفة لشرائعهما فهذا نسخ قد علمنا به وأما التخصيص فهو أن يخص شخص أو أشخاص من سائر النوع كما خص عليه السلام بفرض التهجد وإباحة تسع نسوة وكما خص أبو هاشم وبنو المطلب بتحريم الصدقة وأبو بردة تجزىء عنه الجزعة في الأضحية .
وأما الاستثناء فهو ما جاء بلفظ عام ثم استثني منه بعض ما يقع عليه ذلك اللفظ .
كقوله تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وما أشبه ذلك .
إلا أن