قال علي وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص وأغمضه وأصعبه ونحن نمثل من ذلك أمثلة تعين بحول الله وقوته على فهم هذا المكان اللطيف .
وليعلم طالب العلم والحريص عليه وجه العمل في ذلك إن شاء الله D ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وما وجدنا أحدا قبلنا شغل باله في هذا المكان بالشغل الذي يستحقه هذا الباب فإن الغلط والتناقض فيه يكثر جدا إلا من سدده الله بمنه ولطفه لا إله إلا هو .
قال علي فمن ذلك قول الله تعالى { فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على لناس حج لبيت من ستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن لله غني عن لعالمين } وقال عليه السلام لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم منها ففي الآية عموم الناس وإيجاب عمل خاص عليهم وهو السفر إلى مكان واحد نفسه بعينه من سائر الأماكن وهو مكة أعزها الله فاضبط هذا وفي الحديث المذكور تخصيص بعض الناس وهم النساء ونهيهن عن عمل عام وهو السفر جملة لم يخص بذلك مكان دون مكان .
فاختلف الناس في كيفية استعمال هذين النصين .
فقالت طوائف منهم معنى ذلك ولله على الناس حج البيت حاشا النساء اللواتي لا أزواج لهن ولا ذا محرم فليس عليهم حج إذا سافرت إليه سفرا قدره كذا فاستثنوا كما ترى النساء من الناس .
وقالت طوائف أخر معنى ذلك لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخرأن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم إلا أن يكون سفرا أمرت به كالحج أو ندبت إليه كالنظر في مالها أو ألزمته كالتغريب فإنها تسافر إليه دون زوج ودون ذي محرم فاستثنوا كما ترى الأسفار الواجبة والمندوب إليها من جملة الأسفار المباحة كلها وأبقوا على كل سفر مباح غير واجب ولا مندوب إليه على عموم التحريم على النساء إلا مع زوج أو ذي محرم .
قال علي لم يكن بيد كل طائفة من الطائفتين اللتين ذكرنا إلا وصفها ترتيب مذهبها في استعمال النصين المذكورين فليس أحدهما أولى من الثاني فلا بد من طلب الدليل على صحة أحد الاستثناءين وابتغاء البرهان على الواجب منهما من مكان غيرهما