والوجه الثاني أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر فهذا يظنه قوم تعارضا وتحيروا في ذلك فأكثروا وخبطوا العشواء وليس في شيء من ذلك تعارض .
وقد بينا غلطهم في هذا الكتاب في كلامنا في باب دليل الخطاب وذلك قوله D { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما } وقال في موضع آخر { إن لله يأمر بلعدل ولإحسان وإيتآء ذي لقربى وينهى عن لفحشاء ولمنكر ولبغي يعظكم لعلكم تذكرون } وقال عليه السلام إن الله كتب الإحسان على كل شيء فكان أمره تعالى بالإحسان إلى الوالدين غير معارض للإحسان إلى سائر الناس وإلى البهائم المتمالكة والمقتولة بل هو بعضه وداخل في جملته ومثل نهيه عليه السلام أن يزني أحدنا بحليلة جاره مع عموم قوله تعالى { ولا تقربوا لزنى إنه كان فاحشة وسآء سبيلا } فليس ذكره عليه السلام امرأة الجار معارضا لعموم النهي عن الزنى بل هو بعضه .
فغلط قوم في هذا الباب فظنوا قوله عليه السلام في سائمة الغنم كذا معارضا لقوله في مكان آخر في كل أربعين شاة شاة وليس كما ظنوا بل الحديث الذي فيه ذكر السائمة هو بعض الحديث الآخر وداخل في عمومه والزكاة واجبة في السائمة بالحديث الذي فيه ذكر السائمة وبالحديث الآخر معا والزكاة واجبة في غير السائمة بالحديث الآخر خاصة .
وكذلك غلط قوم أيضا فظنوا قوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم لنسآء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على لموسع قدره وعلى لمقتر قدره متاعا بلمعروف حقا على لمحسنين } معارضا لقوله تعالى { وللمطلقات متاع بلمعروف حقا على لمتقين } والآية الأولى بعض هذه وداخلة في جملتها كما قلنا في حديث السائمة ولا فرق .
وكذلك غلط قوم آخرون فظنوا قوله تعالى { ولخيل ولبغال ولحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون }