مشتبهة على من لا يعلمها وإذ هذا كذلك فحكم من لا يعلم أن يسأل من يعلم .
كما قال تعالى { ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسألوا أهل لذكر إن كنتم لا تعلمون } ولم يقل فارجعوا إلى القياس فوضع دعوى هؤلاء القوم وصح أن الدين كله بين واضح وسواء كله في أنه جلي مفهوم إلا أن من الناس من يخفى عليه الشيء منه بعد الشيء لإعراضه عنه وتركه النظر فيه فقط .
وقد يخفى على العالم الفهم أيضا إذا نظر في مقدماته وقضاياه بفهم كليل إما لشغل بال وإما لطلبه في اللفظ ما لا يقتضيه فقط حتى يعلمه إياه العلماء الذين هو عندهم بين جلي ولو لم يكن الأمر هكذا لما عرف الجاهل صحة قول مدعي الفهم أبدا .
فصح أنه لما أمكن العالم إقامة البرهان حتى يفهم الجاهل من القضايا كالذي فهم العالم فإن العلم كله جلي ممكن فهمه لكل أحد ولولا ذلك ما فهم الجاهل شيئا ولا لزم من لا يفهم العمل بما لا يفهم .
وأيضا فيلزم فيما كان منه خفيا ما ألزموه لو كان كله خفيا وفي الجلي منه ما يلزم لو كان كله جليا ولا فرق وليس للقياس ههنا طريق البتة وبالله تعالى التوفيق .
واحتجوا فقالوا لما رأينا البيضتين إذا تصادمتا تكسرتا علمنا أن ذلك حكم كل بيضة لم تنكسر قالوا وهذا قياس .
قال أبو محمد وهذا خطأ ولم نعلم ذلك قياسا ولكن علمنا بأول العقل وضرورة الحس أن كل رخص الملمس فإنه إذا صدمه ما هو أشد منه اكتنازا أثر فيه إما بتفريق أجزائه وإما بتبديل شكله ولم نقل قط إن البيضة لما أشبهت البيضة وجب أن تنكسر إذا لاقت جرما صليبا بل هذا خطأ فاحش .
وفي هذا القول إبطال القياس حقا فبيضة الحنش وبيضة الوزعة وبيضة صغار العصافير لا تشبه بيضة النعام البتة في أغلب صفاتها إلا أنهما جميعا واقعان تحت نوع البيض وكلاهما ينكسر إذا لاقا جسما صليبا مكتنزا .
ونحن لو خرطنا صفة بيضة من عاج أو من عود البقس حتى تكون أشبه ببيضة النعامة من الماء بالماء ولم تشبه بيضة الحجلة إلا في الجسمية فقط ثم ضربنا بها الحجر لما انكسرت