فلا يخلو رسول الله A من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون لم يبلغ ولا بين للناس فهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة بلا خلاف .
وإما أن يكون A بلغ كما أمر به وبين للناس جميعهم دينهم وهذا هو الذي لا شك فيه فأين الغائب من الدين ههنا لو عقل هؤلاء القوم إلا أن يكون هؤلاء القوم وفقنا الله وإياهم يتعاطون استخراج أحكام في الشريعة لم ينزلها الله تعالى على رسوله A فهي غائبة عنا فهذا كفر ممن أطلقه واعتقده وتكذيب لقول الله D { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } ولقول رسول الله A ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد .
وأما تمويههم بذكر النار ولعل في الغائب نارا باردة فكلام غث في غاية الغثاثة لأن لفظة نار إنما وقعت في اللغة على كل حار مضيء صعاد فإن كنتم تريدون أن شيئا حارا يكون باردا فهذا تخليط وعين المحال .
وأما لفظة نار فقد وقعت أيضا في اللغة على ما لا يحرق فالنار عند العرب اسم الميسم الذي توسم به الإبل فيقولون ما نارها بمعنى ما وسمها فليس الاسم مضطرا إلى وجوده كما هو ولا بد ولكنه اتفاق أهل اللغة وليس من قبل أننا شاهدنا النار محرقة صعادة مضيئة وجب ضرورة أن تسمى نارا ولا بد بل لو سموها باسم آخر ما ضر ذلك شيئا .
وليس أيضا من قبل أننا شاهدنا النار على هذه الهيئة عرفنا أن ما غاب عنا منها كذلك أيضا بل قد علمنا أن أهل اللغة لم يوقعوا اسم نار في الغائب والحاضر إلا على الحار المضيء المحرق الصعاد .
فإن قلتم فلعل في الغائب جسما مضيئا باردا صعادا قلنا لكم هذا ما لا دليل عليه والقول بما لا دليل عليه غير مباح وقد عرفنا صفات العناصر كلها إلا إن قلتم لعل الله تعالى عالم بهذه الصفة فالله تعالى قادر على ذلك ولكنه تعالى لم يخلق في هذا العالم مما شاهدنا بالحواس أو بالعقل أو بالمقدمات الراجعة إلى الحواس والعقل غير ما شاهدنا بذلك ولعله تعالى قد خلق عوالم بخلاف صفة عالمنا هذا إلا أن هذا أمر