وهل تحكيم الحكمين إلا نص قول الله D { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } فنص تعالى على أن كل تنازع في شيء من الدين فإن الواجب فيه تحكيم كتاب الله D وكلام رسوله A والتنازع بين علي ومعاوية لا يجهله من له أقل معرفة في الأخبار ففرض عليهما تحكيم القرآن كما فعلا فأي قياس ههنا لو أنصف هؤلاء القوم عقولهم .
فإن كان هذا عندهم قياسا فقد ضيعوه وتركوه ويلزمهم إن تحاكم إليهم اثنان في بيع أو دين أو غير ذلك فليبعثوا من أهل كل واحد منهما حكما وإلا فقد تركوا القياس بزعمهم .
فإن قالوا فهلا كفاهم حكم واحد حتى احتجوا إلى اثنين قيل لهم وبالله تعالى التوفيق إن أهل العراق لم يرضوا حكما من أهل الشام ولا رضي أهل الشام حكما من أهل العراق فلذلك اضطروا إلى حكم من كلتا الطائفتين .
وأما الرواية عن علي وعمر في قتل الجماعة بالواحد فكما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو قال قال أخبرني حيي بن يعلى بن أمية أنه سمع أباه يعلى يقول وذكر قصة الذي قتله امرأة أبيه وخليلها أن عمر بن الخطاب كتب إلي اقتلهما فلو اشترك في دمه أهل صنعاء كلهم لقتلتهم قال ابن جريج فأخبرني عبد الكريم وأبو بكر قالا جميعا إن عمر كان يشك فيها حتى قال له علي يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور فأخذ هذا عضوا وأخذ هذا عضوا كنت قاطعهم قال نعم قال فذلك حين ليس أحدهما أصلا للآخر لأن النص قد ورد بقتل من قتل وكما ورد بقطع من سرق ليس أحد النصين في القرآن بأقوى من الآخر قال تعالى { ولكم في لقصاص حياة يأولي لألباب لعلكم تتقون } وقال تعالى { وجزآء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على لله إنه لا يحب لظالمين } وقال تعالى { ولسارق ولسارقة فقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من لله ولله عزيز حكيم } ولم يخص تعالى من كلا الأمرين منفرد من مشارك فلو صح لكان علي إنما أنكر على عمر اختلاف حكمه فقط وتركه أحد النصين وأخذه بالآخر