المبحث الأول : في معناهما وفي العمل بالترجيح وفي شروطه .
أما التعادل فهو التساوي وفي الشرع استواء الأمارتين وأما الترجيح فهو إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين أو جعل الشيء راجحا ويقال مجازا لاعتقاد الرجحان وفي الاصطلاح اقتران الأمارة بما تقوى بها على معارضتها قال في المحصول الترجيح تقوية أحد الطرفين على الآخر فيعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر وإنما قلنا طرفين لأنه لا يصح الترجيح بين الأمرين إلا بعد تكامل كونهما طرفين أو انفراد كل واحد منهما فإنه لا يصح ترجيح الطرف على ما ليس بطرف انتهى والقصد منه تصحيح الصحيح وإبطال الباطل قال الزركشي في البحر : اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة بل جعلها ظنية قصدا للتوسع على المكلفين لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل القاطع عليه وإذا ثبت أن المعتبر في الأحكام الشرعية الأدلة الظنية فقد تتعارض في الظاهر بحسب جلائها وخفائها فوجب الترجيح بينهما والعمل بالأقوى والدليل على تعيين الأقوى أنه تعارض دليلان أو أمارتان فإما أن يعملا جميعا أو يعمل بالمرجوح أو الراجح وهذا متعين قال أما حقيقته يعني التعارض فهو تفاعل من العرض بضم العين وهو الناحية والجهة كأن الكلام المتعارض يقف بعضه في عرض بعض أي ناحيته وجهته فيمنعه من النفوذ إلى حيث وجه وفي الاصطلاح تقابل الدليلين على سبيل الممانعة وللترجيح شروط : الأول التساوي في الثبوت فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد إلا من حيث الدلالة الثاني التساوي في القوة فلا تعارض بين المتواتر والآحاد بل يقدم المتواتر بالاتفاق كما نقله إمام الحرمين الثالث اتفاقهما في الحكم مع اتحاد الوقت والمحل والجهة فلا تعارض بين النهي عن البيع مثلا في وقت النداء مع الإذن به في غيره وحكى إمام الحرمين في تعارض الظاهرين في الكتاب والسنة مذاهب : أحدهما يقدم الكتاب لخبر معاذ وثانيهما تقدم السنة لأنها المفسرة للكتاب والمبينة له وثالثها التعارض وصححه واحتج عليه بالاتفاق وزيف الثاني بأنه ليس الخلاف في السنة المفسرة للكتاب بل المعارضة له وأقسام التعادل والترجيح بحسب القسمة العقلية عشرة لأن الأدلة أربعة الكتاب والسنة والإجماع فيقع التعارض بين الكتاب والكتاب وبين الكتاب والسنة وبين الكتاب والإجماع وبين الكتاب والقياس فهذه أربعة ويقع بين السنة والسنة وبين السنة والإجماع وبين السنة والقياس فهذه ثلاثة ويقع بين الإجماع والإجماع والقياس وبين القياسين فهذه ثلاثة الجميع عشرة قال الرازي في المحصول الأكثرون اتفقوا على جواز التمسك بالترجيح وأنكره بعضهم وقال عند التعارض يلزم التخيير والتوقف لنا وجوه : الأول إجماع الصحابة على العمل بالترجيح فإنهم قدموا خبر عائشة بوجوب الغسل عند التقاء الختانين على خبر الماء من الماء وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه كان صضص يصبح جنبا على ما روى أبو هريرة أنه [ من يصبح جنبا فلا صوم له ] وقبل علي خبر أبي بكر ولم يحلفه وكان يقبل من غيره إلا بعد تحليفه وقبل أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة لموافقة محمد بن مسلمة له وقبل عمر خبر أبي موسى في الاستئذان لموافقة أبي سعيد الخدري له الثاني أن الظنين إذا تعارضا ثم ترجح أحدهما على الآخر كان العمل بالراجح متعينا عرفا فيجب شرعا لقوله صضص [ ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ] الثالث أنه لو لم يعمل بالراجح لزم العمل بالمرجوح على الراجح وترجيح المرجوح على الراجح ممتنع في بداهة العقل واحتج المنكر بأمرين : أحدهما أن الترجيح لو اعتبر في الأمارات لاعتبر في البينات والحكومات لأنه لو اعتبر لكانت العلة في اعتباره ترجح الأظهر على الظاهر وهذا المعنى قائم هنا الثاني أن قوله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقوله صضص [ نحن نحكم بالظاهرة ] يقتضي إلغاء زيادة الظن والجواب عن الأول والثاني أن ما ذكرتموه دليل ظني وما ذكرناه قطعي والظني لا يعارض القطعي انتهى وما ذكره من الأحاديث هاهنا صحيح إلا حديث ما رآه المسلمون حسنا وحيث نحن نحكم بالظاهر فلا أصل لهما لكن هما صحيح وقد ورد في أحاديث أخر ما يفيد ذلك كما في قوله صضص للعباس لما قال له إنه خرج يوم بدر مكرها فقال [ كان ظاهرك علينا ] وكما في قوله صضص [ إنما أقضى بما أسمع ] وكما في أمره صضص بلزوم الجماعة وذم من خرج عنها وأمره بلزوم السواد الأعظم ويجاب عما ذكره المنكرون بجواب أحسن مما ذكره أما عن الأول فيقال نحن نقول بموجب ما ذكرتم فإذا ظهر الترجيح لإحدى البينتين على الآخرى أولا حد الحكمين على الآخر كان العمل على الراجح وأما عن الثاني فيقال لا دلالة على محل النزاع في الآية بوجه من الوجوه وأما قوله نحن نحكم بالظاهر فلا يبقى الظاهر ظاهرا بعد وجود ما هو أرجح منه