الفصل الثالث في أركان القياس .
وهي أربعة : الأصل والفرع والعلة والحكم ولا بد من هذه الأربعة الأركان في كل قياس ومنهم من ترك التصريح بالحكم وذهب الجمهور إلى أنه لا يصح القياس إلا بعد التصريح به قال ابن السمعاني ذهب بعضهم إلى جواز القياس بغير أصل قال وهو من خلط الاجتهاد بالقياس والصحيح أنه لا بد من أصل لفروع لا تتفرع إلا عن أصول انتهى .
والأصل يطلق على أمور : منها ما يقتضي العلم بغيره ومنها ما لا يصح العلم بالمعنى إلا به ومنها الذي يعتبر به ما سواه ومنها الذي يقع القياس عليه وهو المراد هنا وقد وقع الخلاف فيه فقيل هو النص الدال على ثبوت الحكم في محل الوفاق وبه قال القاضي أبو بكر والمعتزلة وقال الفقهاء هو محل الحكم المشبه به قال ابن السمعاني وهذا هو الصحيح قال الفخر الرازي الأصل هو الحكم الثابت في محل الوفاق باعتبار تفرع العلة عليه وقال جماعة منهم ابن برهان إن هذا النزاع لفظي يرجع إلى الاصطلاح فلا مشاحة فيه أو إلى اللغة فهي تجوز إطلاقه على ما ذكر وقيل بل يرجع إلى تحقيق المراد بالأصل وهو يطلق تارة على الغالب وتارة على الوضع اللغوي كقولهم الأصل عدم الاشتراك وتارة على إرادة التعبد الذي لا يعقل معناه كقولهم خروج النجاسة من محل وإيجاب الطهارة في محل آخر على خلاف الأصل قال الآمدي يطلق الأصل على ما يتفرع عليه غيره وعلى ما يعرف بنفسه ولم يبين عليه غيره كقولنا تحريم الربا في النقدين أصل وهذا منشأ الخلاف في أن الأصل تحريم النبيذ أو النص أو الحكم قال واتفقوا على ان العلة ليست أصلا انتهى .
وعلى الجملة إن الفقهاء يسمون محل الوفاق أصلا ومحل الخلاف فرعا ولا مشاحة في الاصطلاحات ولا يتعلق بتطويل البحث في هذا كثير فائدة فالأصل هو المشبه به ولا يكون ذلك إلا لمحل الحكم لا لنفس الحكم ولا لدليله والفرع هو المشبه لا لحكمه والعلة هي الوصف الجامع بين الأصل والفرع والحكم هو ثمرة القياس والمراد به ما ثبت للفرع بعد ثبوته لأصله ولا يكون القياس صحيحا إلا بشروط إثني عشر لا بد من اعتبارها في الأصل .
الأول : أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتا في الأصل فإنه لو لم يكن ثابتا فيه بأن لم يشرع فيه حكم ابتداء أو شرع ونسخ لم يمكن بناء الفرع عليه .
الثاني : ان يكون الحكم في الأصل شرعيا فلو كان عقليا أو لغويا لم يصح القياس عليه لأن بحثنا إنما هو في القياس الشرعي واختلفوا هل يثبت القياس على النفس الأصلي وهو ما كان قبل الشرع فمن قال إن نفي الحكم الشرعي جوز القياس عليه ومن قال إنه ليس بحكم شرعي لم يجوز القياس عليه .
الثالث : أن يكون الطريق إلى معرفته سمعية لأن ما لم تكن طريقة سمعية لا يكون حكما شرعيا وهذا من ينفي التحسين والتقبيح العقليين لا عند من يثبتهما .
الرابع : أن يكون الحكم ثابتا بالنص وهو الكتاب أو السنة وهل يجوز القياس على الحكم الثابت بمفهوم الموافقة أو المخالفة قال الزركشي لم يتعرضوا له ويتجه أن يقال أن قلنا أن حكمهما النطق فواضح وأن قلنا كالقياس فيلتحقان به انتهى والظاهر أنه يجوز القياس عليهما عند من أثبتهما لأنه يثبت بهما الأحكام الشرعية كما يثبتهما بالمنطوق وأما ما ثبت بالإجماع ففيه وجهان وقال الشيخ أبو اسحاق الشيرازي وابن السمعاني اصحهما الجواز وحكاه ابن برهان عن جمهور أصحاب الشافعي والثاني عدم الجواز ما لم يعرف النص الذي أجمعوا لأجله قال ابن السمعاني وهذا ليس بصحيح لأن الاجماع أصل في إثبات الأحكام كالنص فإذا جاز القياس على الثابت بالنص جاز علىالثابت بالإجماع .
الخامس : أن لا يكون اصل المقيس عليه فرعا لأصل آخر وإليه ذهب الجمهور وخالف في ذلك بعض الحنابلة والمعتزلة فأجازوه واحتج الجمهور على المنع بأن العلة الجامعة بين القياسين إن اتحدت كان ذكر الأصل الثاني تطويلا بلا فائده فيستغني عنه بقياس الفرع الثاني على الأصل الأول وإن لم ينعقد القياس الثاني بعدم اشتراك الأصل والفرع في علة الحكم وقسم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي هذه المسألة إلى قسمين : أحدهما أن يستنبط من الثابت بالقياس نفس المعنى الذي ثبت به ويقاس عليه غيره قال وهذا لا خلاف في جوازه والثاني أن يستنبط منه معنى غير المعنى الذي قيس به على غيره ويقاس غيره عليه قال وهذا فيه وجهان : أحدهما وبه قال أبو عبد الله البصري الجواز الثاني وبه قال الكرخي المنع وهو الذي يصح الآن لأنه يؤدي إلى اثبات حكم في الفرع بغير علة الأصل وذلك لا يجوز وكذا صححه في القواطع ولم يذكر الغزالي غيره .
السادس : أن لا يكون دليل حكم الأصل شاملا له خرج عن كونه فرعا وكان القياس ضائعا لخلوه عن الفائدة بالاستغناء عنه بدليل الأصل ولأنه ليكون جعل أحدهما أصلا والآخر فرعا أولى من العكس .
السابع : أن يكون الحكم في الأصل متفقا عليه لأنه لو كان مختلفا فيه احتيج إلى إثباته أولا وجوز جماعة القياس على الأصل المختلف فيه لأن القياس في نفسه لا يشترط الإتفاق عليه في جواز التمسك به فسقوط ذلك في ركن من أركانه أولى واختلفوا في كيفية الإتفاق على الأصل فشرط بعضهم أن يتفق الخصمان فقط لينضبط فائدة المناظرة وشرط آخرون أن يتفق عليه الأمة قال الزركشي والصحيح الأول واختار في المنتهى أن المعترض إن كان مقلدا لم يشترط الإجماع إذ ليس له منع ما ثبت مذهبا له وإن كان مجتهدا اشترط الإجماع لأنه ليس مقتديا بإمام فإذا لم يكن الحكم مجمعا عليه ولا منصوصا عليه جاز أن يمنعه .
الثامن : أن لا يكون حكم الأصل ذا قياس مركب وذلك إذا اتفقا على إثبات الحكم في الأصل ولكنه معلل عند أحدهما بعلة أخرى يصلح كل منهما أن يكون علة وهذا يقال له مركب الأصل لاختلافهم في نفس الوصف أو لكن منع أحدهما وجودها في الفرع وهذا يقال له مركب الوصف لاختلافهم في نفس الوصف هل له وجود في الأصل أم لا وكلام الصفي الهندي يقتضي تخصيص القياس المركب بالأول وخالفه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما فجعلوه متناولا للقسمين وقد اختلف في اعتبار هذا الشرط والجمهور على اعتبار وخالفهم جماعة فلم يعتبروه وقد طول الأصوليون الكلام على هذا الشرط بما لا طائل تحته .
التاسع : أن لا نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع فان تعبدنا فيه بالقطع لم يجز فيه القياس لأنه لا يفيد إلا الظن وقد ضعف ابن النباري القول بالمنع وقال بل مع تعبدنا فيه بالعلم جاز أن يثبت بالقياس الذي يفيده وقد قسم المحققون القياس إلى ما يفيد العلم وإلى ما لا يفيده وقال ابن دقيق العيد في شرح العنوان لعل هذا الشرط مبني على أن دليل الأصل وإن كان قطعيا وعلمنا العلة ووجودها في الفرع قطعا فنفس الإلحاق وإثبات مثل حكم الأصل للفرع ليس بقطعي وقد تقدم ابن دقيق العيد إلى مثل هذا الفخر الرازي .
العاشر : أن لا يكون معدولا به عن قاعدة القياس كشهادة خزيمة وعدد الركعات ومقادير الحدود وما يشابه ذلك لأن إثبات للحكم مع منافيه وهذا هو معنى قول الفقهاء الخارج عن القياس عليه وممن ذكر هذا الشرط الفخر الرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم وأطلق ابن برهان أن مذهب أصحاب الشافعي جواز القياس على ما عدل به عن سنن القياس وأما الحنفية وغيرهم فمنعوه وكذلك منع منه الكرخي بإحدى خلال : إحداها أن يكون ما ورد على خلاف الأصول قد نص على علته ثانيها أن تكون الأمة مجمعة على تعليل ما ورد به الخبر وإن اختلفوا في علته ثالثهما أن يكون الحكم الذي ورد به الخبر موافقا للقياس على بعض الأصول وإن كان مخالفا للقياس على أصل آخر .
الحادي عشر : أن لا يكون حكم الأصل مغلظا على خلاف في ذلك .
الثاني عشر : أن لا يكون الحكم في الفرع ثابتا قبل الأصل لأن الحكم المستفاد متأخر عن المستفاد منه بالضرورة فلو لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال هذا حاصل ما ذكروه من الشروط المعتبرة في الأصل وقد ذكر بعض أهل الأصول شروطا والحق عدم اعتبارها فمنها أن يكون الأصل قد انعقد الإجماع على أن حكمه معلل ذكر ذلك بشر المريسي والشريف المرتضي ومنها أن يشرط في الأصل أن لا يكون غير محصور بالعدد قال ذلك جماعة وخالفهم الجمهور ومنها الاتفاق على وجود العلة في الأصل قاله البعض وخالفهم الجمهور .
واعلم أن العلة ركن من أركان القياس كما تقدم فلا يصح بدونها لأنها الجامعة بين الأصل والفرع قال ابن فورك من الناس من اقتصر على الشبه ومنع القول بالعلة وقال ابن السمعاني ذهب بعض القياسيين من الحنفية وغيرهم إلى صحة القياس من غير علة إذ لاح بعض الشبه والحق ما ذهب إليه الجمهور من أنها لا بد منها في كل قياس .
وهي في اللغة إسم لما يتغير الشيء بحصوله أخذا من العلة التي هي المرض لأن تأثيرها في الحكم كتأثير العلة في ذات المريض يقال أعتل فلان إذا حال عن الصحة إلى السقم وقيل إنها مأخوذة من العلل بعد النهل وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة لأن المجتهد في استخراجها يعاود النظر مرة بعد مرة وأما في الإصطلاح فاختلفوا فيها على أقوال : .
الأول : أنها المعرفة للحكم بأن جعلت علما على الحكم إن وجد المعنى وجد الحكم قاله الصيرفي وأبو زيد من الحنفية وحكاه سليم الرازي في التقريب عن بعض الفقهاء واختاره صاحب المحصول المنهاج .
الثاني : أنها الموجبة للحكم بذاتها لا يجعل الله وهو قول المعتزلة بناء على قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقليين والعلة وصف ذاتي لا يتوقف على جعل جاعل .
الثالث : أنها الموجبة للحكم على معنى أن الشارع جعلها موجبة بذاتها وبه قال الغزالي وسليم الرازي قال الصفي الهندي وهو قريب لا بأس به .
الرابع : أنها الموجبة بالعادة واختاره الفخر الرازي .
الخامس : أنها الباعث على التشريع بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم .
السادس : أنها التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها وهو اختيار الرازي وابن الحاجب .
السابع : أنها المعنى الذي كان الحكم على ما كان عليه لأجلها وللعلة أسماء تختلف باختلاف الإصطلاحات فيقال لها السبب والأمارة والداعي والمستدعي والباعث والحامل والمناط والدليل والمقتضي والموجب والمؤثر وقد ذهب المحققون إلى أنه لا بد من دليل على العلة ومنهم من قال إنها تحتاج إلى دليلين يعلم بأحدهما أنها علة وبالآخر أنها صحيحة وقال ابن فورك من أصحابنا من قال يعلم صحة العلة بوجود الحكم بوجودها وارتفاعه بارتفاعها ولها شروط أربعة وعشرون : .
الأول : أن تكون مؤثرة في الحكم فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة هكذا قال جماعة من أهل الأصول ومرادهم بالتأثير المناسبة قال القاضي في التقريب معنى كون العلة مؤثرة في الحكم هو أن يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند ثبوتها لأجلها دون شيء سواها وقيل معناه أنها جالبة للحكم ومقتضية له .
الثاني : أن تكون وصفا ضابطا بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع لا حكمة مجردة لخفائها فلا يظهر إلحاق غيرها بها وهل يجوز كونها نفس الحكم وهي الحاجة إلى جلب مصلحة أو دفع مفسدة قال الرازي في المحصول يجوز وقال غيره يمتنع وقال آخرون إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها واختاره الآمدي والصفي الهندي واتفقوا على جواز التعليل بالوصف المشتمل عليها أي مظنتها بدلا عنها ما لم يعارضه قياس .
الثالث : أن تكون ظاهرة جلية والألم يمكن إثبات الحكم بها في الفرع على تقدير أن تكون أخفى منه أو مساويا له في الخفاء كذا ذكره الآمدي في جدله .
الرابع : أن تكون سالمة بحيث لا يردها نص ولا إجماع .
الخامس : أن لا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها ووجه ذلك أن الأقوى أحق بالحكم كما أن النص أحق بالحكم من القياس .
السادس : أن تكون مطرودة أي كلما وجدت وجد الحكم لتسلم من النقض والكسر فإن عارضها نقض أو كسر بطلت .
السابع : أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي أي لا يعلل الحكم الوجود بالوصف العدمي قاله جماعة وذهب الأكثرون إلى جوازه قال المانعون لو كان العدم علة للحكم الثبوتي لكان مناسبا أو مظنة واللازم باطل وأجيب بمنع بطلان اللازم .
الثامن : أن لا تكون العلة المعتدية هي المحل أو جزء منه لأن ذلك يمنع من تعديتها .
التاسع : أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة والمراد انتفاء العلم أو الظن به إذ لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول .
العاشر : أن تكون أوصافها مسلمة أو مدلولا عليها كذا قال الأستاذ أبو منصور .
الحادي عشر : أن يكون الأصل المقيس عليه معللا بالعلة التي يعلق عليها الحكم في الفرع بنص أو إجماع .
الثاني عشر : أن لا تكون موجبة للفرع حكما وللأصل حكما آخر غيره .
الثالث عشر : أن لا توجب ضدين لأنها حينئذ تكون شاهدة الحكمين متضادين قاله الأستاذ أبو منصور .
الرابع عشر : أن لا يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم الأصل خلافا لقوم .
الخامس عشر : أن يكون الوصف معينا لأن رد الفرع إليها لا يصح إلا بهذه الواسطة .
السادس عشر : أن يكون طريق إثباتها شرعيا كالحكم ذكره الآمدي في جدله .
السابع عشر : أن لا يكون وصفا مقدرا قال الهندي ذهب الأكثرون إلى أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة خلافا للأقلين من المتأخرين .
الثامن عشر : إن كانت مستنبطة فالشرط أن ترجع على الأصل بإبطاله أو أبطال بعضه لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من الاستنباط لأنه فرع له والفرع لا يرجع على إبطال أصله وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالابطال .
التاسع عشر : إن كانت مستنبطة فلا شرط أن لا تعارض بمعارض مناف موجود في الأصل .
العشرون : إن كانت مستنبطة فالشرط أن لا تتضمن زيادة على النص أي حكما غير ما أثبته النص .
الحادي والعشرون : أن لا تكون معارضة لعلة أخرى تقتضي نقيض حكمها .
الثاني والعشرون : إذا كان الأصل فيه شرط فلا يجوز أن تكون العلة موجبة لإزالة ذلك الشرط .
الثالث والعشرون : إن لا يكون الدليل الدال عليها متناولا لحكم الفرع لا بعمومة ولا بخصوصه للاستغناء حينئذ عن القياس .
الرابع والعشرون : أن لا تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه بالاثبات على أصل منصوص عليه بالنفي فهذه شروط العلة وقد ذكرت لها شروط غير معتبرة على الأصح منها ما شرطه فيها الحنيفة وأبو عبد الله البصري وهو تعدي العلة من الأصل إلى غيره فلو وقفت على حكم النص لم تؤثر في غيره وهذا يرجع إلى التعليل بالعلة القاصرة وقد وقع الاتفاق على أنها إذا كانت منصوصة أو مجمعا عليها صح التعليل بها حكى ذلك القاضي أبو بكر وابن برهان والصفي الهندي وخالفهم القاضي عبد الوهاب فنقل عن قوم أنه لا يصح التعليل بها على الإطلاق سواء كانت منصوصة أو مستنبطة قال وهذا قول اكثر أهل العراق انتهى وأما إذ كانت العلة القاصرة مستنبطة فهي محل الخلاف فقال أبو بكر القفال بالمنع وبمثله قال ابن السمعاني ونقله إمام الحرمين عن الحليمي وقال القاضي أبو بكر وجمهور أصحاب الشافعي بالجواز قال القاضي عبد الوهاب : هو قول جميع أصحابنا وأصحاب الشافعي وحكاه الآمدي عن أحمد قال ابن برهان في الوجيز كان الأستاذ أبو أسحاق من الغلاة في تصحيح العلة القاصرة ويقول هي أولى من المتعدية واحتج بأن وقوفها يقتضي نفي الحكم عن الأصل في النفي كما كان تعديها مؤثرا في الاثبات وهذا احتجاج فاسد واستدلال باطل ومنها أن يكون وصفها حكما شرعيا عند قوم لأنه معلول فكيف يكون علة والمختار جواز تعليل الحكم الشرعي بالوصف الشرعي ومنها أن تكون مستنبطة من اصل مقطوع بحكمه عند قوم والمختار عدم اعتبار ذلك بل يكتفي بالظن ومنها القطع بوجود العلة في الفرع عند قوم منهم البزدوي والمختار الاكتفاء بالظن ومنها أن لا تكون مخالفة لمذهب صحابي وذلك عند من يقول بحجية قول الصحابي لا عند الجمهور .
وقد اختلفوا في جواز تعدد العلل مع اتحاد الحكم فإن كان الاتحاد بالنوع مع الاختلاف بالشخص كتعليل إباحة قتل زيد بردته وقتل عمرو بالقصاص وقتل خالد بالزنا مع الاحصان فقد اتفقوا على الجواز وممن نقل الاتفاق على ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي والآمدي والصفي الهندي وأما إذا كان الاتحاد بالشخص فقيل لا خلاف في امتناعه بعلل عقلية وحكى القاضي الخلاف في ذلك فقال ثم اختلفوا إذا وجب الحكم العقلي بعلتين فقيل لا يرتفع إلا بارتفاعهما جميعا وقيل يرتفع بارتفاع إحدهما وأما تعدد العلل الشرعية مع الاتحاد في الشخص كتعليل قتل زيد بكونه من يجب عليه فيه القصاص وزنى مع الاحصان فإن كل واحد منهما يوجب القتل بمجرد فهل يصح تعليل إباحة دمه بهما معا أم لا ؟ اختلفوا في ذلك على مذاهب : .
الأول : المنع مطلقا منصوصة كانت أو مستنبطة حكاه القاضي عبد الوهاب عن متقدمي أصحابهم وجزم به الصيرفي واختاره الآمدي ونقله القاضي وإمام الحرمين .
الثاني : الجواز مطلقا وإليه ذهب الجمهور كما حكاه القاضي في التقريب قال وبهذا نقول لأن العلل علامات وإمارات على الأحكام لا موجبة لها فلا يستحيل ذلك قال ابن برهان في الوجيز أنه الذي استقر عليه رأي إمام الحرمين .
الثالث : الجواز في المنصوصة دون المستنبطة وإليه ذهب أبو بكر بن فورك والفخر الرازي وأتباعه وذكر إمام الحرمين أن القاضي يميل إليه وكلام إمام الحرمين هذا هو الذي اعتمده ابن الحاجب في نقل هذا المذهب عن القاضي كما صرح به مختصر المنتهى ولكن النقل عن القاضي مختلف كما عرفته .
الرابع : الجواز في المستنبطة دون المنصوصة حكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى و ابن المنير في شرحه للبرهان وهو قول غريب والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز وكما ذهبوا إلى الجواز فقد ذهبوا أيضا إلى الوقوع ولم يمنع ذلك عقل ولا شرع .
وأما ما يشترط في الفرع فأمور أربعة : أحدها مساواة علته لعلة الأصل والثاني مساواة حكمه لحكم الأصل والثالث أن لا يكون منصوصا عليه والرابع أن لا يكون متقدما على حكم الأصل