يقتضي حرمة الترك والحرمة الثابتة بمقتضى الشيء تكون مضافا إليه فجعلنا قدر ما يثبت من الحرمة وهو الموجب للكراهة مضافا إلى الأمر اقتضاء .
وإذا تبين حكم الأمر فكذلك حكم النهي في ضده على هذه الأقاويل الأربعة .
فالفريق الأول يقولون لا حكم له في ضده لأنه مسكوت عنه ويستدلون على ذلك بقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم فإنه لا يكون أمرا بضده وهو ترك قتل النفس إذ لو كان أمرا به لكان تارك قتل النفس مباشرا لفعل الطاعة وهو الائتمار بالأمر فإنه يكون مستحق الثواب الموعود للمطيعين وهذا فاسد .
وقال الجصاص C النهي عن الشيء يوجب ضده إن كان له ضد واحد وإن كان له أضداد فلا موجب له في شيء من أضداده وبين ذلك في الحركة والسكون فإن قول القائل لا تتحرك يكون أمرا بضده وهو السكون لأن للمنهي عنه ضدا واحدا وقوله لا تسكن لا موجب له في ضده لأن له أضدادا وهي الحركة من الجهات الست فإن السكون ينعدم من أي جانب كانت الحركة فلا يتعين واحد من الأضداد مأمورا به بموجب النهي وإذا قال لغيره لا تقم فللمنهي عنه أضداد من القعود والاضطجاع فلا موجب لهذا النهي في شيء من أضداده .
قال لأن موجب النهي إعدام المنهي عنه بأبلغ الوجوه وإذا كان له ضد واحد فمن ضرورة وجوب الإعدام الكف عن الإيجاد فيكون النهي موجبا الأمر بالضد بحكمه .
واستدل على ذلك بقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فإنه نهى عن الكتمان وهو موجب الأمر بالإظهار ولهذا وجب قبول قولها فيما تخبره لأنها مأمورة بالإظهار ونهى المحرم عن لبس المخيط لا يكون أمرا بلبس شيء عين من غير المخيط لأن للمنهي عنه أضدادا هنا وبحكم النهي لا يثبت الأمر بجميع الأضداد وليس بعضها بأولى من البعض .
يوضح الفرق بينهما أن مع التصريح بالنهي فيما له ضد واحد لا يستقيم التصريح بالإباحة في الضد فإنه لو قال نهيتك عن التحرك وأبحت لك السكون أو أنت بالخيار في السكون كان كلاما مختلا لأن موجب النهي تحريم المنهي عنه ومع تحريمه لا يتصور التخيير في ضده لاستحالة انعدامهما جميعا وصفة الإباحة تقتضي