قال " الشافعي " : وجدنا سعيدً ( 1 ) بالمدينة يقول : أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي في الصَّرف ( 2 ) فَيُثَبِّت حديثه سنّةً . ويقول : حدثني أبو هريرة عن النبي فيُثَبت حديثه سنّةً ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنّةً .
ووجدنا عروة يقول : حدثتني عائشة : ( ( أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان ) ) ( 3 ) فَيُثَبِّته سنَّة ويروي عنها عن النبي شيئاً كثيراً فيثبتها سنناً يُحِل بها ويحرم .
[ ص 454 ] وكذلك وجدناه يقول : حدثني أسامة بن زيد عن النبي . ويقول : حدثني عبد الله بن عمر عن النبي وغيرُهما فيُثَبِّت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة .
ثم وجدناه أيضا يَصير إلى أن يقول : حدثني عبد الرحمن بن عبدٍ القاريُّ عن عمر ويقول : حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر . ويثبت كلَّ واحد من هذا خبرً عن عمر .
ووجدنا القاسم بن محمد يقول : حدثتني عائشة عن النبي ويقول في حديث غيره : حدثني ابن عمر عن النبي . ويثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة .
ويقول حدثني عبد الرحمن ومجمِّع ابنا يزيد بن جاريةَ عن خنساءَ بنت خِدَامِ عن النبي . فيثبت خبرها سنة وهو خبر امرأة واحدة .
[ ص 455 ] ووجدنا علي بن حسين يقول : أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال : " لا يرث المسلم الكافر " . ( 4 ) فيثبتها سنة ويثبتها الناس بخبره سنة .
ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين يخبر عن جابر عن النبي وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي . فيثبت كل ذلك سنة .
ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم ونافع بن جبير بن مطعم ويزيدَ بن طلحة بن رُكَانة ومحمد بن طلحة بن ركانة ونافعَ بن عُجَير بن عبد يزيدَ وأبا أسامة بن عبد الرحمن وحُميدَ [ ص 456 ] بن عبد الرحمن وطلحةَ بن عبد الله بن عوفٍ ومصعبَ بن سعد بن أبي وقاص وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وخارجة بن زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن كعب بن مالك وعبد الله بن أبي قتادة وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وغيرهم من محدثي أهل المدينة : كلُّهم يقول : حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النبي أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي . فنُثَبِّت ذلك سنة .
ووجدنا عطاءً وطاوسً ومجاهدً وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه وابن أبي عمارٍ ومحدثي المكيين ووجدنا [ ص 457 ] وهب بن مُنَبِّهٍ هكذا ومكحولً بالشأم وعبد الرحمن بن غنم والحسن وابن سيرين بالبصرة والأسود وعلقمة والشعبي بالكوفة ومحدثي الناس وأعلامَهم بالأمصار : كلُّهم يُحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والإفتاء به ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه ويقبله عنه مَن تحته .
ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أحمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبَّته جاز لي .
ولكنْ أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين [ ص 458 ] أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفتُ من أن ذلك موجوداً ( 5 ) على كلهم .
_________ .
( 1 ) هكذا بالتنوين من غير ألف وقدمنا مراراً أنه فصيح .
( 2 ) تقدم ص 276 .
( 3 ) تقدم ص 448 .
( 4 ) رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي .
( 5 ) تقدم توجيه نحوه وأنه على لغة من ينصب معمولي ( أن ) وهو قليل