أما الحنفية فقد قالوا : إن تحريك الخاتم الواسع مندوب لا سنة . كما سيأتي في " المندوبات " فإن كان الخاتم ضيقا . يمنع من وصول الماء إلى ما تحته . فإن تحريكه فرض . لا فرق بين أن يكون مباحا أو غير مباح . فلا يغتفر عندهم للمرأة أن تلبس الخاتم الضيق . أو الأسورة الضيقة التي لا يصل الماء إلى ما تحتها . على أنهم لا يشترطون الدلك . كما تقدم فهذه هي سنن الوضوء المؤكدة عند المالكية .
الشافعية قالوا : سنن الوضوء كثيرة وقد عرفت أن الشافعية لا يفرقون بين السنة والمندوب والمستحب . ونحو ذلك وسنن الوضوء أو مندوباته أو مستحباته أو فضائله كثيرة عندهم : فمنها الاستعاذة . كأن يقول : أعود بالله من الشيطان الرجيم . ونحو ذلك . ومنها التسمية في أول الوضوء . ويبدأ بها عند غسل الكفين . وأقل التسمية أن يقول : بسم الله . أو بسم الله الرحمن الرحيم . فلو أتى بذكر غيرها فإنه لا يكون آتيا بالسنة . لأن الشارع قد طلب منه التسمية بخصوصها . خلافا للحنفية . كما تقدم في مذهبهم . ويأتي بالتسمية ولو كان جنبا فإن تركها عمدا . أو سهوا في أول الوضوء . فإنه يأتي بها في أثنائه . أما إذا فرغ من الوضوء وتشهد ودعا فقد فات وقتها . فلا يأتي بها كما قال الحنفية ومنها أن ينوي بقلبه سنن الوضوء عند التسمية . وهذه النية غير نية رفع الحدث . فقد عرفت أن نية رفع الحدث فرض . ولا تكفي إلا عند غسل الوجه ومنها غسل الكفين إلى الكوعين . ويبدأ في غسلهما وقت التسمية . ونية السنن . فيجتمع بين الثلاثة . وتحصل سنة غسل اليدين بغسلهما ثلاث مرات خارج الإناء إذا كان الماء في إناء يمكن أن يصب منه الماء على يديه كالإبريق ونحوه فإن كان الإناء مفتوحا به ماء قليل فإنه يصح أن يغسلهما في ذلك الماء إذا تيقن طهارتهما أما إذا شك في الطهارة فإنه يكره وضعهما في الإناء وغسلهما فيه فإذا تيقن نجاستهما فإنه يحرم عليه وضعهما في الإناء بل يجب عليه أن يغسلهما ثلاث مرات قبل إدخالهما في الإناء وهذا الغسل للتطهير من النجاسة فلا تحصل به سنة غسل اليدين وعليه بعد ذلك أن يغسلها ثلاثا لتحصل له سنة الوضوء ومنها تقديم غسل اليدين على المضمضة فلو أتى بالمضمضة أولا ثم غسل يديه لا يحصل سنة غسل اليدين ومنها المضمضة وهي أن يضع الماء في فمه قبل أن يغسل منخريه ولا يشترط إدارة الماء في فمه ولا طرح الماء من فمه بل السنة تحصل بمجرد وضع الماء في فمه بحيث لو ابتلعه فقد أتى بالسنة إنما الأكمل أن يحرك فمه بعد وضع الماء فيه ثم يطرح الماء ومنها الاستنشاق بعد المضمضة وتحصل السنة بمجرد إدخال الماء في الأنف سواء جذبه بنفسه إلى أعلى الأنف . ثم طرحه بعد ذلك أولا إنما الأكمل أن يجذبه بالنفس ثم يطرحه بعد ذلك والأفضل في كيفية المضمضة والاستنشاق أن يضع الماء في كفه ثم يتمضمض بجزء منه ويستنشق بالجزر الآخر يفعل ذلك ثلاث مرات فيتمضمض ويستنشق بثلاث غرف كل غرفة يقسمها بين المضمضة والاستنشاق ومنها استقبال القبلة إذا كان يتوضأ من مكان يمكنه فيه استقبالها ومنها أن يضع الإناء المفتوح عن يمينه ويضع غيره عن يساره ومنها أن يدعو بالدعاء الوارد في الوضوء عند غسل يديه وهو أن يقول بعد التسمية الحمد لله على الإسلام ونعمته الحمد لله الذي جعل الماء طهورا والإسلام نورا رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها ويقول عند المضمضة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويقول عند الاستنشاق : اللهم أرحني رائحة الجنة وعند غسل الوجه : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل يده اليمنى : اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا وعند غسل اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري وعند مسح رأسه : اللهم حرم شعري وبشري على النار وأظللني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك وعند مسح الأذنين : اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند غسل الرجلين : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام وأن يقول عند الفراغ من الوضوء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك يقول ذلك وهو مستقبل القبلة رافع يديه ووجهه إلى السماء ثم يقرأ سورة القدر .
وهذا الدعاء وافق على بعضه الحنفية إلا أنهم لم يعدوه سنة بل قالوا : إنه مستحب أو مندوب أما المالكية فإنهم لم يذكروا هذا الدعاء لا في السنن ولا في الفضائل كما ستعرفه .
ومن السنن عند الشافعية الاستياك وهو تنظيف الأسنان بأي شيء لا يضر سواء كان من عود الأراك المعروف أو كان - فرشة - أو غير ذلك على أنهم قالوا : إن الاستياك بالإصبع لا يكفي وله أن يقدم الاستياك على غسل كفيه فإذا فعل ذلك فليس له أن ينوي الاستياك . ومن السنن أن يقول عند الاستياك : اللهم بيض به أسناني وشد به لثاتي وثبت به لهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين وكيفية الاستياك أن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه ثم بالأيسر وأن يمر به على رؤوس أضراسه وسقف حلقه وسطح لسانه ويسن أن يمسح به أسنانه عرضا ويسن أن يمسكه باليد اليمنى بأن يجعل إصبعه الخنصر من أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه ويسن غسل السواك ثلاثا إذا تلوث أو تغيرت رائحته ويكره أن يزيد طوله على شبر .
ومن السنن عند الشافعية أن يبدأ بمقدم الأعضاء بشرط أن يتوضأ من مكان يغترف منه الماء بنفسه كحلة أو ميضأة أو نحو ذلك أما إذا توضأ من مكان ينزل منه الماء على يده بدون أن يغترف هو منه كما إذا توضأ من حنفية أو إبريق أو كان يصب له الماء شخص فإنه يبدأ في اليدين من المرافق ويبدأ في الرجلين من الكعبين عكس الحالة الأولى وأن يغترف الماء لوجهه بكفيه معا وأن لا بلطم وجهه بالماء وتخليل اللحية الغزيرة وتعميم الرأس بالمسح ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ودلك الأعضاء والتيامن في الوضوء كما تقدم وإطالة الغرة والتحجيل على ما تقدم وتثليث الأقوال والأفعال في الوضوء ما عدا ألفاظ النية والموالاة لغير صاحب السلس . فإنه يجب عليه الموالاة كما تقدم والسكوت عن الكلام بغير ذكر الله إلا لحاجة وعدم الاستعانة على الوضوء بالغير إلا لحاجة وترك تنشيف الأعضاء إلا لحاجة وترك نفض الماء إلا لحاجة والشرب من بقية ماء الوضوء وتحريك خاتمه الواسع أما الضيق الذي يمنع وصول الماء إلى ما تحته فإنه يجب تحريكه حتى يصل الماء إلى ما تحته ولا فرق في الخاتم بين أن يكون مباحا أولا وفاقا للحنفية . وخلافا للمالكية .
الحنابلة قالوا : سنن الوضوء أو مندوباته أو مستحباته هي كالآتي : أولا : استقبال القبلة ثانيا : السواك عند المضمضة ويندب أن يستاك عرضا بالنسبة لأسنانه وطولا بالنسبة إلى لثاته وفمه وأن يستاك بيده اليسرى ويساك على أسنانه ولثته وفمه . وأن يكون العود لينا غير ضار ويكره أن يستاك بعود يابس والسواك سنة في جميع الأوقات إلا بعد الزوال بالنسبة للصائم فإنه مكروه سواء أكان العود رطبا أم يابسا أما قبل الزوال فإنه يسن له أن يستاك لعود يابس ويباح له الاستياك قبل الزوال أيضا بالرطب ويتأكد الاستياك عند كل صلاة وعند الانتباه من النوم وعند تغير رائحة الفم وعند الوضوء وعند قراءة القرآن وعند دخول المسجد وعند دخول منزله وعند خلو المعدة من الطعام وعند اصفرار الأسنان ويسن أن يبدأ بجانب فمه الأيمن من ثناياه إلى أضراسه ويكره أن يستاك بريحان وبرمان وقصب ونحوه مما يضر باللثة ثالثا : غسل الكفين ثلاثا على ما تقدم رابعا : تقديم المضمضة والاستنشاق على الوجه خامسا : المبالغة فيهما لغير الصائم سادسا : دلك جميع الأعضاء التي ينبو عنها الماء سابعا : إكثار الماء في غسل الوجه لما فيه من الشعر . والأشياء الغائرة والبارزة ثامنا : تخليل اللحية الغزيرة عند غسله تاسعا : تخليل أصابع اليدين والرجلين إذا وصل الماء في الغسل إليها بدون دلك . وإلا كان التخليل واجبا عاشرا : تجديد الماء لمسح الأذنين حادي عشر : تقديم الأيمن على الأيسر ثاني عشر : إطالة الغرة والتحجيل ثالث عشر : الغسلة الثانية والثالثة إن عمت الأولى رابع عشر : استصحاب نيته إلى آخر الوضوء بقلبه خامس عشر : نية سنن الوضوء عند غسل كفيه إلى الكوعين سادس عشر : النطق بألفاظ النية سرا بحيث يحرك بها لسانه وشفتيه ويسمع نفسه دون غيره وأن لا يستعين بغيره فيه سابع عشر : أن يقول عند فراغه من الوضوء رافعا بصره إلى السماء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيطنا محمدا عبده ورسوله . اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت . أستغفرك وأتوب إليك .
هذا . ومعنى الغرة هو أن يزيد في غسل وجهه عن القدر الواجب . بحيث يغسل شيئا من مقدم الرأس . ومعنى التحجيل هو أن يزيد في غسل اليدين . يأن يغسل شيئا من العضو الذي فوق مرفق الذراع ويزيد في غسل الرجلين فيغسل شيئا من ساقه الذي فوق كعبيه وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على ذلك )