عرفت أن المذاهب مختلفة في بيان السنة والمندوب والمستحب والفضيلة وعرفت أن بعض الأئمة يعتبر السنة والمندوب والمستحب والتطوع كلها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد وبعضهم يفرق بين هذه الألفاظ فلذا سنذكر لك تحت الخط الذي أمامك تفصيل كل مذهب على حدة ( الحنفية قالوا : سنن الوضوء منها ما مؤكد يثاب على فعله ويعاقب على تركه كالواجب وعرفت أنهم يفرقون بين الفرض والواجب فسنن الوضوء المؤكدة أمور : منها التسمية وهي سنة لازمة سواء كان المتوضئ مستيقظا من نوم أو لا ومحلها عند الشروع في الوضوء حتى لو نسيها ثم ذكرها بعد غسل بعض الأعضاء فسمى لا يكون آتيا بالسنة على أنه إذا نسيها فإنه يأتي بها متى ذكرها قبل الفراغ من الوضوء كي لا يخلو الوضوء عنها وله أن يسمي قبل الاستنجاء وبعده بشرط أن لا يسمي في حال الانكشاف ولا في محل النجاسة كما سيأتي في " مباحث الاستنجاء " .
والتسمية المروية عن رسول الله A هي أن يقول : " بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام ولو قال في ابتداء الوضوء : لا إله إلا الله أو قال : الحمد لله أو قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقد أتى بالسنة ومنها غسل اليدين إلى الرسغين والرسغ معروف وهو النقرة المتوسطة في ظاهر الكف بين الإصبع الوسطى والإصبع التي قبلها وبعض الحنفية يرى أن غسل اليدين إلى الرسغين ثلاث مرات قبل وضعها في الإناء فرض تقديمه على باقي أعمال الوضوء سنة وفي كيفية غسل اليد في الآنية تفصيل وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون الإناء مفتوحا - كالحلة والصحن - أو يكون مضموما - كالأبريق - فإن كان إبريقا فيستحب أن يمسكه بيده اليسرى ويصب الماء على يده اليمنى ثلاث مرا ثم يمسكه بيده اليمنى ويصب على يده اليسرى ثلاث مرات وإن كان مفتوحا فإن كان معه كوز ونحوه اغترف به وصب على يده اليسرى ثلاث مرات ثم على يده اليمنى بالصفة التي ذكرت وإن لم يكن معه إناء صغير يغترف به فيستحب أن يدخل في الماء أصابع يده اليسرى مضمومة دون الكف كي يغترف بها الماء وكيفية ذلك أن يضم أصابع اليد إلى بعضها واليد مفتوحة إلا أنه يقوسها قليلا كي لا ينزل الماء منها ولا يدخل كفه في الماء فإن أدخل كفه كلها في الماء كان الماء الملاقي للكف مستعملا لما عرفت أنه ماء قليل إلا إذا غلب على ظن المتوضئ أن الملاقي للكف لا يساوي نصف الماء الذي اغترف منه فإذا أراد المتوضئ أن يضع يده في الماء القليل ويبقى على حاله طهورا غير مستعمل فعليه أن ينوي الاغتراف من هذا الماء دون الغسل بمعنى أن يقول في نفسه : نويت أن أغترف من هذا الماء ثم يغسل به العضو الذي يريد غسله وبذلك لا يستعمل الماء لأنه إنما يستعمل إذا نوى أن يتوضأ به من أول الأمر لأنك قد عرفت فيما مضى أن الماء لا يستعمل إلا إذا أريد باستعمال العبادة .
هذا كله إذا لم يكن على يده نجاسة محققة فإن كانت على يده نجاسة ووضعها في الماء فإنه يتنجس سواء نوى الاغتراف أو لم ينو فإن عجز عن أخذ الماء من الإناء بكوز أو بمنديل طاهر أو نحوهما فإنه يمكنه أن يأخذه بفمه ويغسل النجاسة فإن عجز ولم يجد غيره تركه وتيمم ولا إعادة عليه ومنها المضمضة والاستنشاق وهما سنتان مؤكدتان عند الحنفية بمعنى الواجب فتركهما إثم ولا يلزم أن يأخذ لكل مرة ماء بل إذا أخذ الماء بكفه فتمضمض ببعضه واستنشق بالباقي فإنه لا يجوز أما إذا وضع الماء في كفه ثم استنشق به وأعاده ثانيا إلى كفه وتمضمض به بعد ذلك فإنه لا يجوز ثم إن المضمضة هي عبارة عن أن يغسل جميع فمه بالماء ويكفي وضع الماء في فمه بدون تحريك ولو وضع الماء في فمه ولم يطرحه بل شربه فإنه يجزئه في السنة بشرط أن يملأ الفم ثلاث مرات أما إذا امتص الماء مصا فإنه لا يجزئه وأما الاستنشاق فهو جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه بحيث يصل الماء إلى مارن الأنف وهو نهاية العظمة اللينة أما ما فوق ذلك فإنه لا يسن إيصال الماء إليه كما لا يسن جذب الماء إلى الداخل بالتنفس وتسن المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم وتكره له كي لا يفسد صومه وقد عرفت أن السنة أن تكون المضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا وكيفية الاستنشاق أن يضع الماء في أنفه بيده اليمنى ويتمخط بيده اليسرى ويعبر المالكية عن هذه الحالة بالاستنشاق ويعدونه من السنن المؤكدة كما ستعرفه عندهم ومنها تخليل أصابع اليدين والرجلين والتخليل عبارة عن إدخال بعض الأصابع في بعض بماء متقاطر وهو سنة مؤكدة بلا خلاف ومحل كونه سنة إذا وصل الماء إلى داخلها وهي مضمومة وإلا كان تخليليها واجبا وكيفية التخليل في اليدين أن يشبك أصابعه ببعضها وفي الرجلين أن يخلل بخنصر يده اليسرى خنصر رجله اليمنى وهكذا حتى يختم بخنصر رجله اليسرى وهذه الكيفية هي الأولى وله أن يخللها بأي كيفية ومنها تكرار الغسل ثلاث مرات فغسل العضو وتعميمه كله بالماء مرة واحدة فرض والغسلة الثانية والغسلة الثالثة سنتان مؤكدتان على الصحيح ويشترط في الغسلة الأولى المفروضة أن يسيل الماء على العضو ويتقاطر منه قطرات فلو غسل العضو مرة ولم يعمه الماء كله ثم غسله بالماء ثانية وثالثة حتى عمه الماء بالغسلة الثالثة فإنه يسقط عنه الفرض ولا يكون آتيا بالسنة ومن السنن المؤكدة مسح جميع الرأس فلو اقتصر على مسح الجزء المفروض مسحه وتكرر ذلك منه فإنه يأثم وكيفية مسح الرأس أن يضع أصابعه على مقدم رأسه ثم يمر بهما على جميع رأسه إلى قفاه - بحيث يستوعب كل الرأس ثم إن بقي بيده بلل فإنه يسن له أن يسرد مسح الرأس وإلا فلا كما يقول المالكية ومنها مسح الأذنين وكيفيته أن يمسح باطن الأذنين ومؤخرهما بالماء الذي يمسح به رأسه وإذا أخذ لهما ماء جديدا كان حسنا ورجع بعض الحنفية مسحهما بماء جديد ومحل هذا ما إذا بقي على كفه ماء بعد مسح الرأس أما إذا جف الماء فإنه ينبغي أن يأخذ لها ماء جديدا ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين ويمسح باطن الأذنين بالسبابتين وهما الإصبعان اللذان يقعان بعد الإبهامين ومنها النية وكيفيتها أن ينوي في نفسه رفع الحدث أو ينوي الوضوء أو ينوي الطهارة أو ينوي استباحة الصلاة والأفضل أن يقول : نويت أن أتوضأ للصلاة تقربا إلى الله تعالى أو يقول : نويت رفع الحدث أو نويت الطهارة أو نويت استباحة الصلاة والتلفظ بذلك مستحب لما عرفت من أن محل النية إنما هو القلب وأما وقت النية فهو عند غسل الوجه .
وهذا وقد عد بعض الحنفية النية من المستحبات لا من السنن المؤكدة ولكن الصحيح أنها سنة ومنها الترتيب وهو أن يبدأ الفرائض بغسل الوجه ثم يغسل اليدين إلى المرفقين ثم بمسح ربع الرأس ثم بغسل الرجلين إلى الكعبين . كما ذرك الله تعالى في قوله : { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } والترتيب من السنن المؤكدة على الصحيح وعده بعض الحنفية من المستحبات ومنها الفور . ويعبر عنه بالموالات وهي التتابع وحد الفور هو أن لا يجف الماء عن العضو قبل أن يغسل العضو الذي بعده بشرط أن لا يكون الزمن معتدلا فإن كان شديد الحرارة أو شديد البرودة . فإنه لا يعتبر جفافه بسرعة على أن محل كون الفور سنة إذا لم يكن هناك عذر فإن فرغ ماء الوضوء بعد غسل الوجه مثلا ثم انتظر الماء فجف الماء من عليه قبل أن يجيء الماء فلا بأس بذلك وقد عرفت حكم الفور في فرائض الوضوء عند المالكية وغيرهم ومن السنن المؤكدة السواك ولا يشترط أن يكون من شجر الأراك المعروف بل الأفضل أن يكون أشجار مرة لأنه يساعد على تطييب الفم وله فوائد معروفة فهو يقوي اللثة وينظف الأسنان ويقوي المعدة كي لا يصل إليها شيء من أدران الفم والأفضل أن يكون رطبا وأن يكون في غلظ الخنصر وطول الشبر فإذا لم يجد سواكا فإنه - الفرشة - تقوم مقامه وإذا لم يجدها استاك بإصبعه ويقوم مقام السواك العلك - اللبان - فإذا وجد السواك فيندب أن يمسكه بيمينه ويجعل الخنصر أسفله والإبهام أسفل رأس السواك وباقي الأصابع فوقه ووقت الاستياك هو وقت المضمضة وإذا كان لا يطيقه فإنه يتركه للضرورة ويكره أن يستاك وهو مضطجع .
هذا . وقد اختلف في أشياء : منها أن يأخذ الإناء بيمينه عند غسل الرجلين فيصب على مقدم رجله اليمنى ويدلكه بيساره فيغسلها ثلاثا ثم يفيض الماء على مقدم رجله اليسرى : ويدلكه كذلك ومنها أن يبدأ من رؤوس الأصابع في اليدين والرجلين ومنها أن يبدأ بمقدم الرأس في المسح ومنها الترتيب في المضمضة والاستنشاق فيقدم المضمضة على الاستنشاق ومنها المبالغة في المضمضة والاستنشاق غلا أن يكون صائما فتكره المبالغة كما تقدم ومنها أن يضع الماء في أنفه ويجذبه بنفسه حتى يصل إلى أعلى الأنف ومنها عدم الإسراف في الماء إذا كان يعتقد أن ما زاد عن الثلاث مطلوب منه في الوضوء وإلا كان عدم الإسراف مندوبا لا سنة ومنها إعادة غسل اليدين مع غسل الذراعين إلى المرفقين فغسل اليدين أولا سنة ثم إعادة غسلهما مع الذراعين سنة أخرى فلو غسل يديه أولا ثم غسل وجهه وغسل ذراعيه من كوع يده إلى المرفقين فقد جاء بالفرض وترك السنة فهذه سنن الوضوء عند الحنفية .
المالكية قالوا : سنن الوضوء المؤكدة التي يثاب المكلف على فعلها ولا يعاقب على تركها هي : أولا : غسل اليدين إلى الرسغين والرسغ - مفصل الكف - وكيفية غسل اليدين تتبع الماء قلة وكثرة فإن كان الماء قليلا وهو ما لا يزيد عن صاع كما تقدم في " مباحث المياه " ولم يكن جاريا فإن أمكن الإفراغ منه الصفحة فلا تحصل السنة إلا بغسلهما قبل إدخالهما فيه ولو كانتا طاهرتين ونظيفتين فإن أدخلهما في الإناء قبل غسلهما في هذه الحالة أو أدخل إحداهما فعل مكروها وفاتته سنة الغسل وإن كان الماء كثيرا أو جاريا فإن السنة تحصل بغسلهما مطلقا سواء كان الغسل داخل الماء أو خارجه . أما إذا كان الماء قليلا ولا يمكن الإفراغ منه كالحوض الصغير فإن كانت يداه نظيفتين أو عليهما وساخة لا يتغير الماء بهما إذا أدخلهما فيه فإنه يغترف بيديه أو إحداهما ويغسل خارجه وتحصل السنة بذلك فإن كانت يداه غير نظيفتين وخاف تغير الماء بإدخالهما فيه احتال على الأخذ منه بفمه أو بخرقة نظيفة فإن لم يكن ذلك تركه وتيمم إن لم يجد غيره ثانيا : المضمضة وهي إدخال الماء في الفم وطرحه فلو دخل الماء فمه بدون قصد أو أدخله ولم يحركه أو أدخله وحركه ولم يطرحه بأت ابتلعه فإنه لا يكون آتيا بالسنة وفي ذلك مخالفة للحنفية الذين قالوا : إن السنة تحصل بدخول الماء ولو لم يطرحه أو يحركه ثالثا : الاستنشاق وهو جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه ولا تحصل السنة عندهم إلا بجذبه بالنفس خلافا للحنفية رابعا : الاستنثار وهو طرح الماء من الأنف بالنفس بأن يضع إصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على أعلى مارن أنفه عند إنزال الماء منها وإذا كان بأنفه قذارة متجمدة من مخاط وغيره أخرجها بخنصر يده اليسرى خامسا : مسح الأذنين ظاهرا وباطنا . ويدخل في ذلك صماخ الأذنين سادسا : تجديد الماء لمسح الأذنين فلا يكفي في السنة أن يمسح بالبلل الباقي من مسح الرأس خلافا للحنفية والأفضل في كيفية المسح عندهم أن يدخل أطراف سبابته في صماخي الأذنين - داخل الأذن - ويضع إبهاميه خلفهما ويثني إصبعيه السبابة والإبهام ويديرهما حتى يتم مسحهما ظاهرا وباطنا وإذا مسحهما بأي كيفية أخرى أجزأه إنما المطلوب تعميمهما بالمسح سابعا : الترتيب بين أعضاء الوضوء بأن يقدم الوجه على اليدين واليدن على الرأس والرأس على الرجلين كما قال الحنفية ثامنا : مسح الرأس إن بقي بيده بلل من المسحة الأولى وإلا فلا يسن تاسعا : تحريك خاتمه الذي يصل الماء إلى ما تحته وللمالكية في هذا تفصيل حسن وذلك لأنهم قالوا : إن الخاتم إما أن يكون لبسه مباحا أو حراما أو مكروها فإن كان مباحا - وه للرجل ما كان فضة وكان وزنه لا يزيد عن درهمين وكان واحدا غير متعدد فإنه لا يجب تحريكه سواء كان ضيقا أو واسعا وسواء وصل الماء إلى ما تحته أو لم يصل وهذا الحكم عام في الوضوء والغسل على أنه إن نزعه بعد تمام وضوئه أو غسله فإنه يجب عليه غسل ما تحته إن كان ضيقا وظن أن الماء لم يصل إلى ما تحته أما إذا كان حراما - وهو ما اتخذ من ذهب أو من فضة تزيد على درهمين أو كان متعددا كأن لبس خاتمين أو أكثر - فإن كان واسعا أجزأه تحريكه ولا يفترض عليه دلك ما تحته بيده بل يكتفي بدلك ما تحته بالخاتم نفسه أما إن كان ضيقا فإنه يجب نقله من محله حتى يتمكن من دلك ما تحته ومثل المحرم في ذلك الحكم الخاتم المكروه وهو ما كان من نحاس أو رصاص أو حديد .
هذا في الرجل أما المرأة فإنه يباح لها أن تلبس ما شاءت من حلي . سواء كان متخذا من ذهب أو غيره . فإذا لبست أساور أو خلاخل فلا يجب عليها تحريكها وإن لم يصل الماء إلى ما تحتها سواء كانت ضيقة أو واسعة . إلا أنها إذا نزعتها بعد تمام الوضوء أو الغسل فإنها يجب عليها غسل ما تحتها إن كانت ضيقة . وظنت عدم وصول الماء إليه .
( يتبع . . . )