( 3 ) ( روى الإمام البخاري في صحيحه فقال : حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن هشام قال : حدثني أبي عن عائشة Bها : ( أن النبي A سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه ) وفي رواية أخرى قال البخاري C قال : حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( سحر رسول الله A رجل من بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله A يحيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي : لكنه دعا ودعا ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فما استفتيته فيه : أتاني رجلان فقعد أحهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لساحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم قال : في أي شيء . قال : في مشط ومشاطة وجف طلغ نخلة ذكر قال : وأين هو ؟ هال : في بئر ذروان فأتاها رسول الله A في ناس من أصحابه فجاء فقال : يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت : يا رسول الله أفلا أستخرجته ؟ قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على عيينة يقول : أول من حدثنا بن أبن جريج يقول : حدثني آل عروة عن عروة فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة Bها قال : " كان رسول الله A سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر " .
من هذه الروايات وغيرها تعلم أن السحر حق ثابت وقد وقع وحصل لأنه ثابت بنص القرآن الكريم قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال تعالى : { ما جئتم به السحر إن الله سيبطله } وقال تعالى : { ولا يقلح الساحرون } وقال تعالى : { إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } وقال تبارك وتعالى : { إنه لكبير الذي علمكم السحر } وقال تعالى : { غنا آمنا بربنا ليغفر لنا خكايانا وما أكرهتنا عليه من السحر } .
وقد ذكر العلماء الن السحر أنواع كثيرة : .
- 1 - ما يقع بخداع وتمويه فيحدث تخيلات لا حقيقة لها وهو ما يفعله المشعوذون بحذق ومهارة وخفة وسرعة مع طول المران والتدريب فيصرفون الأنظار عما يتعاطونه بشعوذتهم وهو ( السيمياء ) قال تعالى : { فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } وقال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل غليه من سحرهم أنها تسعى } وهذا النوع شائع وذائع للآن خصوصا في بلاد الهند .
- 2 - ما يقع بالرقى والنفث في العقد وتصوير صورة المسحور والتأثير فيه بأمور يسمعونها من تلاوة وقراءة وكتابةن ورسوم يتوصلون به إلى الأذى والشر قال تعالى : { ومن شر النفاثات في العقد } والنفاثات السواحر وهذه الرقى والعزائم التي يتلونها قد تكون مشتملة على أسما الله الحسنى أو أسماء ملائكته الكرام . وقد تكون العزيمة مشتملة على ايمان وأقسام عظيمة يلجئ الرواح إلى الطاعة لتنفيذ ما يطلبونه منها وهذه الرقى التي يقرؤها السحرة قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة المعنى بل هي ألفاظ مجهولة وكأنها رطانة أو كلمات سريانية كأنها اسماء للجان أو لأرواح خفية غير معلومة .
- 3 - ما يقع عن الطلسمات والخواتم التي تكتب بطريقة خاصة مغايرة للكلمات العربية . أو أحرف عربية مقطعة لا صلة بينها موضوعة بطريقة خاصة وحقيقتها نفس اسماء خاصة لها تعلق بالأفلاكن وكذل الوقات التي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص .
- 4 - ما يقع بواسطة الكواكب والنجوم فإن الله تعالى خص كل واحد من الكواكب وهذه النجوم بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص قال تعالى : { فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم } قال أبن زيد : كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم عليه السلام فلما رآه ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة . قال : إني سقيم أي هذا السقم واقع لا محالة وكان القوم نجامين فأفهمهم أنه قد استدل بأمارة من تلك النجوم على أنه سقيم لابد مشرف على السقم { فتولوا عنه مدبرين } خوفا من العدوى . وقد يضاف السحر إلى الآثار السماوي من الاتصالات الملكية وغيرها من أحوال الأفلاك .
- 5 - ما يقع باستخدام الشياطين بضرب من التقرب إليهم والإتصال بهم وساخدامهم وتسخيرهم في قضاء المصالح أو إقاع الضرر والأذى بالخلق أو الإتيان بأخبارهم الماضية عن طريق اتصاله بالقرين . وهذا أشد انواع السحر وأخطره : قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله A ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى .
انفذ وهذا الصنف من الناس هم أتباع الجن وعباده قال الله تعالى { بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون } وقال تعالى : { ولبئس المولى ولبئس العشير } فالشياطين لا تسخر له ولا تقضي حوائجه إلا إذا أطاعها فيما تطلبه منه وهي خبيثة كافرة لا تطلب من المؤمن إلا الكفر والضلال .
قالوا : وللسحر تأثير في المسحور فيغير مزاجه ويصيبه بأمراض عصبية وتخيلات ختلفة قود يؤثر في قوته فيضعفه وقد يصل به إلى القتلن وبالسحر يستطعيون أن يفرقوا بين المرء وزوجه ويفسدوا العلاقة الزوجية ويحولوا حياتهما إلى جحيم وقد تصل إلى الطلاق والفرقة ويوقعوا بين المحبين العداوة والبغضاء والقطيعة قال تعالى : { فيتعملون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } .
ويندفع شر السحر بالتعوذ الله تعالى والتحصن به واللجوء إليه وبتقوى الله تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه فمن اتقى الله تعالى تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره . قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } .
وقال الرسول الله A لسيدنا عبد الله بن عباس : ( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ) . ويندفع شر السحر أيضا بقوة الإيمان وصدق اليقين وثبات العيزيمة والتوكلعلى الله حق التوكل وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن الله D قال تعالى : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } القادر على كل شي ء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقابا للمسحور على عصيانه وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم .
فلا يعبأ المؤمن القوي بالسحر ولايخافه ولا يهتم له ولا يشغل فكره ولا ينعال ذلك إلا باوثوق التام بالله تعالى والاطمئنان العظيم غليه وإن كل شيء بيده تبارك وتعالى { أن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } فلا يشغل قلبه بالساحر وما صنع وإنما يشغل قلبه بالله وطاعته وحسن عباته وافكثار من ذكره D فيفوز بحفظه ونصرته . { إن تنصروا الله نيصركم ويثبت أقدامكم } وقد قال رسول الله A لسيدنا عبد الله بن عباس Bهما : ( اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) فتوحيد الله تعالى واعتقادا أنه الضار النافع المعطي المانع ذلك هو الحصن العظم الذي من دخله كان من الآمنين قال بعض السلف . من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء قال تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يجب كل خوان كفور } .
ومن فضل الله تعالى أن السحر وأهله كادا ينقرضان في هذا الزمان ومن ادعى ذلك الان فإنما هو كاذب خادع يضل الناس ويسعى لكسب المال منهم بطريق النصب والاحتيال والوهم والخديعة والحوادث كثيرة تدل على انهم مدعون كاذبون لا يعرفون من السحر إلا اسمه ومن علمه إلا رسمه { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } .
ويؤثر السحر غالبا في ضعاف النفوس كالأطفال والمرضى والنساء وفي ضعاف الدين وما حدث للرسل والأنبياء كان للابتلاء والاختبار والتشريع .
وأما ما وقع لرسول الله A من السحر فلم يكن له أي تأثير في عقل رسول الله A ولا في الوحي الذي كان يبلغه للمة ولا في الأحكام التي كان يشرعها لقومه . وإنما هو أمر عارض للجسم كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . فلا ينافي العصمة . وقد تدارك الله تعالى نبيه A وأرسل غليه الملكين فأخبراه بمكان السحر واسم صانعه فلم ينل منه ما قصده الساحر وكيف يحصل ها والله يقول في كتابه : { والله يعصمك من الناس } وكل هذا من باب التشريع ولو شاء ربك ما فعلوه لتعلم أن المؤمن المحبوب لدى ربه بصالح عمله وجميل سعيه يدافع الله عنه ويحرسه من كيد أعدائه وشر خصومه وإن الحسنات يذهبن السيئات ويمحقن الآفات وأنه صلوات الله وسلامه عليه أمام قدرة ربه عبد يبتلى فيصبر ويرضى بقضاء الله وقدره فينجيه الله من سوء ويحفظه من كل ضر كما ابتلى الله الأنبياء من قبله فصبروا فنجاهم الله تعالى { وأيوب إذا نادى ربه انى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } { ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له وأهله من الكرب العظيم } .
ومع ثبوت هذه الأحاديث التي ذكرناها الواردة في الكتب الصحاح في وقوع السحر للرسول الله A فقد أنكر بعض المبتدعة هذه الحاديث وقال بعضهم إنها أخبار آحاد فلا يعمل بها وزعموا أن السحر يحط من منصب النبوة ويشكك فيها قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل .
وقالوا : إن جواز السحر على الأنبياء يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع للعباد إذ يحتمل على هذا أن النبي A يحيل إليه أن يرى جبريل وليس هو ثم وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء وكلامهم هذا مردود من عدة وجوه .
- 1 - لقد قامت البراهين من المعجزات والنصوص الصريحة من القرآن والسنة النبوية على صدقه A فيما بلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ قال تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { والله يعصمك من الناس } وقال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاتنهوا } وقال تعالى : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء } فتلك الآيات وغيرها أدلة قاطعة على أنه A الصادق المصدوق فيما قال وبلغ وإن الله عصمه من الضلال وحفظ عقله من الزلل .
- 2 - وقد أجمع الرواة على أن هذا السحر لم يكن له أي أثر في عقله A بل كان تأثيره في جسمه وبصره كغيره من الأمراض الجسمية وقد وقع السحر لسيدنا موسى E فكان يخيل غليه في رأي العين كما قال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فكان هذا السحر من باب المراض الجسيمة وتلك جائزة على النبياء عليهم الصلاة والسلام فإن المراض غير المنفرة جائزة في حقهم فهي من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتهم العلية مع عصمتهم في أمور الدين والتبليغ وحفظ الوحي الشريف .
- 3 - أجمع الرواة على أن الرسول اصلوات الله وسلامه عليه لم ينطق أثناء مرضه بهذا السحر بغير الصواب والصدق والحق حتى في الأمور العادية فكان يرى ويظن كالخاطر يعرض في النفس ولا يتعداها حتى يرجع إلى الصواب والحق فينطق بهما ولم ينطق بغيرهما قط لا في مرضه هذا ولا في غيره طوال حياته A .
- 4 - أجمعت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أن السحر لم ينل إلا من جسمه الشريف A فكان يرى ببصره أن هذا الشيء كذا ثم يراه على صوابه بعد قليل وأنه يخيل غليه أنه قادر على إتيان زوجاته ثم لا يستطيع أما عقله الشريف فكان على أتم ما يكون طوال مدة المرض بدليل أنه فوض أمره لله تعالى في مبدأ المرص ثم تداوى ثم لما اشتدت به وطأة المرض لجأ إلى الدعاء كما روي عن السيدة عائشة Bها أنها قالت : فدعا ثم دعا وهذه الأحوال من التفويضن ثم التداوي ثم الدعاء دليل على أن عقله A محفوظ محروس وعصوم لم ينل منه السحر منالا وعنها أنه سحر حتى انكره بصره فالسحر أنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وتمييزه )