مبحث كيفية توبة المرتد .
الحنفية قالوا : أنه يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام وهو أن يقول : ( تبت وجعت إلى دين الإسلام وأنا بريء من كل دين سوى دين الإسلام ) . والإقرار بالبعث والنشور مستحب وإنما يقول ذلك لأنه لا دين له ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود .
قال الطحاوي سئل أبو يوسف عن الرجل كيف يسلم فقال يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقر بما جاء به من عند الله ويتبرأ من الدين الذي انتحله وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال : ولم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء من الدين الذي ارتد إليه فهي توبة وفي شرح الطحاوي : إسلام النصراني أن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويتبرأ من النصرانية واليهودي كذلك يتبرأ من اليهودية وكذا من كل ملة وأما مجرد الشهادتين فلا يكون مسلما لأنهم يقولون بذلك غير أنهم يدعون خصوص الرسالة إلى العرب هذا فيمن بين أظهرنا منهم أما من في دار الحرب لو حمل عليه مسلم فقال : محمد رسول الله A فهو مسلم أو قال : دخلت في دين الإسلام . أو دخلت في دين محمد A فهو دليل إسلامه فكيف إذا أتى بالشهادتين لأن في ذلك الوقت ضيقا فيحكم بإسلامه بمجرد ذلك ويرفع عنه القتل ولو ارتد بعد ذلك قتله ولو ارتد بعد إسلامه ثانيا قبلنا توبته وكذا ثالثا ورابعا وفي كل مرة يطلب من الإمام التأجيل أجله فإن عاد إلى الكفر رابعا ثم طلب التأجيل فإنه لا يؤجله فإن أسلم وإلا قتل .
وقال الكرخي في مختصره فإن تاب بعد الرابعة ضربه ضربتا وجيعا ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة ويرى من حاله حال إنسان قد أخلص فإذا فعل ذلك خلي سبيله فإن عاد فعل به مثل ذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام لإطلاق قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } آية 5 من التوبة وروي عن أبن عمر وعلي Bهما : لا تقبل توبة من كرر ردته كالزنديق : فيجب قتله .
المالكية والحنابلة قالوا : لا تقبل توبة الكافر المرتد الذي تكررت ردته بل يجب قتله لقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازداودا كفرا لم يكن الله لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } آية 137 من النساء ولو قتله شخص قبل عودته إلى الإسلام فلا شيء عله من الدية والقصاص .
الشافعية - قالوا : إنه تقبل توبة الزنديق والمرتد إذا طلب التوبة ورجع إلى الإسلام . ولو تكرر منه ذلك مرارا ما دام في كل مرة يرجع إلى الإسلام ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم .
الحنفية قالوا : قبول توبة الزنديق روايتان رواية تقول : لا تقبل توبته كمالك وأحمد . وفي رواية تقبل توبته إذا رجع كقول الشافعي وهذا في حق أحكام الدنيا أما فيما بينه وبين الله تعالى إذا صدق قبله سبحانه بلا خلاف . ) .
أحكام في المرتد .
الحنفية قالوا : لو أرتد أهل بلد لم تصر دار حرب حتى يجتمع فيهما ثلاثة شروط : .
الأول : ظهور أحكام الكفر .
الثاني : أن لا يبقى فيهما مسلم ولا ذمي بالأمان الأصلي .
والثالث : أن تكون متاخمة لدار الحرب . وأول من حارب المرتدين أبو بكر الصيق رضي الله تعالى عنه لانهم منعوا دفع الزكاة وقالوا : لاندفع الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم وهو النبي A فأصبحوا دار حرب .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إذا ارتد أهل بلد لا يجوز أن تغنم ذراريهم التي حدثت منهم بعد الردة ولا يسترقون بل يجبون على الإسلام إلى أن يبلغوا : فإن لم يسلموا حبسوا وضربهم الحاكم جذبا إلى الإسلام وأما ذراريهم فيسترقون .
الشافعية قالوا : في أصح قوليهم إنهم لا يسترقون وقيل : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم .
الحنابلة قالوا : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم لأن الذرية تبع الآباء في الكفر .
روى البخاري عن أبن عباس Bهما لما بلغه أن عليا Bه حرق قوما بالنار فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي A قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ولقتلتهم كما قال النبي A : ( من بدل دينه فاقتلوه ) فإن الإمام عليا قاتل الزندقة الذين ارتدوا باتباع مذهب المانوية الذين يقولون بقدم النور والظلمة وأن العالم ناشئ عنهما .
أعمال المرتد .
الحنفية قالوا : إن الردة محبطة لثواب جميع العمال الصالحة التب عملها قبل أن يرتد عن الإسلام . فإذا تاب وعاد إلى الإسلام إن عاد في وقت صلاة صلاها وجب عليه أداؤها ثانيا وكذلك يجب عليه الحج ثانيا إن كان سبق له حد ولا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء مع كونها لا ثواب فيها عند أكثر العلماء .
الشافعية - قالوا : إن الردة محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } الآية وقال تعالى : { ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } وقال تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله } وغيرها من الآيات الدالة على إحباط الأعمال وضياع ثوابها ولهذا إن عاد إلى الإسلام وجب عليه أن يعيد حجه قبل الردة )