- وبالجملة فالشريعة الإسلامية لم تترك شيئا إلا وضعت له قانونا أساسه المصلحة المادية والأدبية وقوامها الفضائل الإنسانية حتى العادات فقد علمت الناس كيف يأكلون ويشربون وكيف يعامل بعضهم بعضا في الحديث والمجلس والزيارة والصحبة . وكل ما يتعلق بشؤون الفرد وحده أو مع غيره قريبا كان أو بعيدا ولم تقف قضية من قضاياها في وجه الإصلاح الذي يتجدد بتجدد الزمان والمكان .
ومن هذا نعلم أن كل شيء يحث لا بد أن يرجع إلى أصل عام في الشريعة الإسلامية وقد ألهم الله رسوله A أن يأتي بقواعد عامة جامعة يمكن إدخال كل جزئية من جزيئات الحوادث تحتها .
وقد ذكر أبن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين ) كثيرا منها يضيق المقام عن ذكر جميعها ومنه قوله A : ( كل مسكر حرام ) ( وكل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( وكل قرض جر نفعا فهو ربا ) وقوله : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) وقوله : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وقول A ( كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين ) وقوله ( وكل معروف صدقة ) الخ .
فهذه وأمثالها كليات تدخل تحتها كل جزئية تتجدد من نوعها فإذا فرض ووجدت جزئية ولم يتيسر لعالم أن يرجعها إلى أصل من أمثال هذه الصول فانهيمكنه أن يرجعها إلى قوله A : ( لا ضرر ولا ضرار ) والضرار هو الضرر ومعناه إنه ينبغي لكل مسلم أن يرفع ضرره عن غيره .
ويجب على كل رئيس قادر سواء كان حاكما أو غيره أن يرفع الضرر عن مؤوسيه فلا يؤذيهم هو ولا يسمح لأحد أن يؤذيهم .
ومما لا شك فيه ان ترك الناس بدون قانون يرفع عنهم الأذى والضرر يخالف هذا الحديث فكل حكم صالح فيه منفعة ورفع ضرر يقره الشرع ويرتضيه .
( 1 ) ( وكذلك في حالة نشوز المرأة وفي حالة منع الزوج من حقه مع القدرة لقوله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } الآية 34 من سورة النساء .
فقد أباح الشارع الضرب عند المخالفة فكان فيه تنبيه من الشارع الحكيم إلى التعزير وكذلك قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف في سرقة التمر : ( إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال ) رواه أو داود واللفظ له ورواه النسائي .
وروى الإمام البيهقي C تعالى فيه صحيحه ( أن الإمام عليا كرم الله وجهه وBه سئل عمن قال لرجل : يا فاسق يا خبيث فقال : يعزر ) .
وما روي عن النبي A أنه قال : ( لا يجلد فوق عشرة اسواط إلا في حد من حدود الله تعالى ) .
متفق عليه كما روي عن بريدة النصار رضي الله تعالى عنه وقد فعله النبي A وفعله الصحابة رضوان الله عليهم من بعده من غير نكير منهم وأجمعت عليه المة وروي إن الإمام علي كرم الله وجهه جلد من وجده مع إمراة يتمتع بها بغير زنى ( مائة سوط إلا سوطين ) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه ضرب من نقش على خاتمع مائة سوط وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
الحنفية قالوا : إن ضرب التعزير يكون أشد من ضرب حد الزنا وضرب حد الزنا يكون أشد من ضرب حد شارب الخمر وضرب شارب الخمر يكون اشد من حد القذف وحد القذف أخف من جميع الحدود لأن جريمة حد القذف غير متيقن بها لأن القذف خبر يحتمل الصدق والكذب وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقة في قوله وإنما كان ضرب التعزير أشد من جميع الحدود لأن المقصود به الزجر وقد دخله التخفيف من حيث نقصان العدد فلو قلنا : يخفف الضرب أيضا لفات ما هو المقصود من إقامة الحد لأن الألم يخلص إليه لا ينزجر ولهذا قالوا : يجرد في التعزير عن ثيابه إلا ما يستر عورته مثل الإزار الواحد .
المالكية قالوا : إن الضرب لا يتفاوت في الحدود بل كلها سواء .
الشافعية - قالوا : إن حد الزنا الزنا أشد من حد القذف والقذف اشد من الخمر لأن الزنا ثبت بدليل مقطوع به اه .
فائدة .
ذكر العلماء أنه يستثنى من إقامة التعزير مسائل ( اولا ) يترك التعزير إذا صدر الفعل من رجل صالح فإنه يعفو عنه . لقوله A : ( أقيلوا من ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) رواه أو داود .
الشافعية - قالوا : المراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيقع أحدهم في زلة ثم يتوب منها ويندم عليها أما إذا تكرر منه فإنه يعزر .
ثانيا : إذا قطع شخص أطراف نفسه أو شوه جسده أو أحرقه بالنار فلا يعزر لأنه عذب نفسه .
ثالثا : إذا وطئ الرجل زوجته أو أمته في دبرها فلا يعزر بأول مرة بل ينهى عن العودة فإن عاد عزر والأصل لا يعزر لحق الفروع كالأب والجد مع الأبناء .
رابعا : إذا رأى من يزني بزوجته وهو محصن فقتله في تلك الحالة فلا يعزر وإن افتات على الإمام لأجل الحمية والغيرة على العرض وقد حث عليه الشارع .
خامسا : إن ارتد ثم أسلم .
سادسا : إذا تأخر الرجل عن اعطاء زوجته النفقة فإنه يكون آثماص ولا يعزر في ذلك .
سابعا : إذا حلف الزوج يمين الظهار على زوجته فإنه يعزر مع الكفارةن وإذا أفسد الزوج الصائم يوما من رمضان بجماع زوجته يعزر