مبحث كفارة القتل .
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على وجوب الكفارة في قتل الخطأ إذا لم يكن المقتول ذميا ولا عبدا واتفقوا على أن كفارة قتل الخطأ عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وذلك لقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } [ آية : 92 من النساء ] .
والمالكية والحنفية والشافعية في أصح قوليهم والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا : أنه لا يجزئ الاطعام في كفارة قتل الخطأ نظرا إلى عظم حرمة المؤمن فخص الكفارة بما هو أعلى قيمة غالبا من الإطعام ولأنه لم يرد به النص القرآني والمقادير تعرف بالتوقيت ولأن الله تعالى جعل المذكور في الآية كل الواجب بحرف الفاء أو لكونه كل المذكور على ما عرف ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف والأول يحصل بإسلام أحد أبويه والثاني بالظهور إذ الظاهر سلامة أطرافه ولايجزئه ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته .
الشافعية والحنابلة في الروايتين الأخريين - قالوا : إن الإطعام حين العجز عن الصوم يجزئ مثل كفارة الظهار .
الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : تتجب الكفارة في قتل الذمي على الاطلاق وفي قتل العبد المسلم وذلك للعمل بوصية رسول الله A على الذمي في وعد من ظلمه بأن يكون A حجيجه يوم القيامة في نحو قوله : ( من ظلم ذميا كنت حجيجه يوم القيامة ) فإذا كان هذا فيمن ظلمه ولو بأخذ درهم من ماله أو بكلمة في عرضه مثلا فكيف بمن قتله بغير حق .
وأما وجوب الكفارة في قتل العبد المسلم فلدخولها في وصيته A في حال احتضاره بقوله A : ( الصلاة وما ملكت أيمانم ) وقد ورد أن الوصية على الأرقاء من أواخر ما تكلم به رسول الله A وهو محتضر فصار يقول ذلك بتكلف لا يكاد لسانه يبينها فوجب احترامه كل الاحترام ومن جملة احترامه وجوب الكفارة في قتله .
المالكية - قالوا : لا تجب الكفارة في قتل الذمي لأن وصية رسول الله A على أهل الذمة محمولة على فعل أمور مخصوصة كأخذ ماله بغير حق وكالوفاء بذمته وبغير الكفارة كتكفينه ودفنه إذا مات ونحو ذلك دون وجوب الكفارة في قتله فإنه مراق الدم في الجملة من حيث كفره بالله وتكذيبه لرسوله A .
الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك لأنه كبيرةة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى .
الشافعية - قالوا : تجب الكفارة في قتل العمد لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ فكان أدعى إلى إيجابها لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به اليق من الخطأ .
قالوا : وتجب على كل واحد من الشركاء في القتل كفارة في الأصح لأنه حق يتعلق بالقتل فلا يتبعض كالقصاص . ولأن الكفارة لتكفير جناية القتل وكل واحد قاتل ولأن فيها معنى العبادة والعبادة الواجبة على الجماعة لا تتبعض .
وقيل : تجب الجميع كفارة واحدة كقتل الصيد .
الشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على الكافر إذا قتل مسلما خطأ . للتغليظ على الكافر بالتغريم من حيث عدم تحفظه في حق المسلم حتى لا يعود إلى مثلها وليكون عبرة لغيره من دينه بل قالوا : تجب الكفارة بالقتل وإن كان القاتل عبدا كما يتعلق بقتله القصاص والضمان دينه بل قالوا : تجب الكفارة بالقتل ذميا لا لتزامه الأحكام ولو كان القاتل عامدا أو مخطئا أو متسببا بقتل مسلم ولو بدار الحرب وذمي وجنين وعبد نفسه ونفسه ولا تجب الكفارة بقتل امرأة وصبي حربيين . ولا بقتل باغ لأنه مباح الدم وصائل لأنه لا يضمن ومرتد وزان محصن ومقتص منه بقتل المستحق له لأنه مباح الدم بالنسبة إليه .
الحنفية والمالكية - قالوا : إن الكفارة لا تجب على الكافر لأن الكفارة طهرة للقاتل من الأثم دافعة عنه وقوع العذاب به يوم القيامة والكافر ليس أهلا لذلك لأنه لا يظهر إلا بحرقه بالنار يوم القيامة فكيف يظهر بالكفارة ؟ .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على الصبي والمجنون إذا قتلا وذلك لنسبتهما إلى قلة التحفظ في الجملة فلو خوف الولي الصبي من القتل أو ضبط المجنون بالقيد والغل لما كانا قدرا على قتل أحد عادة مع كون المجنون ربما تعاطى أسباب الجنون بأكله طعاما لا يناسب مزاجه مثلاص فكان تغريمه الكفارة من باب المؤاخذة بالسبب عند من يقول به من الأئمة .
الحنفية - قالوا : لا تجب على الصبي ولا على المجنون كفارة لأن المجنون خرج عن التكليف ولأن الصبي لم يبلغ سن التكليف فلم يؤاخذا بفعليهما ولأن أفعالهما من قسم المباح وهو أحد الحكام الخمسة .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على القاتل بالسبب كمن تعدى بحفر بئر عدواناص ووضع حجرا في الطريق وكالمكره والآمر به لمن لا يميز وشاهد الزور ولو حصل التردي في البئر بعد موت الحافر لأن اسم القاتل يشمل الآمرين فشملتهما الآية وبالقياس على وجوب الدية .
الحنفية - قالوا : إن الكفارة لا تجب على القاتل بالسبب مطلقا وإن كانوا قد اجمعوا على وجوب الدية في القتل بالسبب وذلك لعدم إلحاق السبب بالمباشر لأنه أخف حالا منه حيث إنه لم يباشر القتل .
الحنفية - قالوا : إذا قتلت أم الولد سيدها فعليها قيمة نفسها لأنه قد زال عنها ملك سيدها بقتله فصارة حرة كما لو قتلت غيره وذلك إذ لم يجب القصاص عليها .
الشافعية - قالوا : يجب عليها الدية لأنها تصير حرة لزوال موجب جنايتها والواجب في قتل الحر دية .
الحنفية - قالوا : إن الجناية من أم الولد لا يجب فينها أكثر من قيمتها كما لو جنت على أجنبي ولأن اعتبار الخيانة قي الجاني بحال الجناية - وهي في حال الجناية آمة . ولأنها ناقصة بالرق لأشبهت القن . وإذا لم يكن لها منه ولد فعليها القصاص لورثة سيدها وإن كان لها منه ولد وهو الراث وحده فلا قصاص عليها لأنه لو جب لوجب لولجها ولا يجب للولد على امه قصاص .
الحنابلة - توقفوا في هذه المسألة )