مبحث الجناية على الجنين .
الحنفية - قالوا : إن الجنين إذا كان محققا في بطن الأم فليس له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الآدمي لكنه منفرد بالحياة معد لأن يكون نفسا له ذمة فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية وباعتبار الوجه الأول لا يكون أهلا لوجوب الحق عليه فإما بعدما يولد فله ذمة صالحة . ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه يكون ضامنا له ويلزمه مهر امرأنه بعقد الولي .
فإذا ضرب رجل بطن امرأة حامل فألقت من بطنها جنينا ميتا فيجب فيه غرة وهي نصف عشر دية الرجل إذا كان ذكرا وفي الأنثى عشر دية المرأة وكل منهما خمسمائة درهم لأن نصف العشر من عشرة آلاف درهم هو العشر من خمسة آلاف درهم . والدليل على ذلك ما روي أن النبي A قال : ( في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة ) ويروى ( أو خمسمائة ) والغرة على العاقلة إذا كانت خمسمائة درهم لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه قضى بالغرة على العاقلة ولأنه بدل النفس ولهذا سماه رسول الله A دية حيث قال : ( دوه ) وقالوا له : أندي من لا صاح ولا أستهل - الحديث .
إلا أن العواقل لا تتحمل ما دون خمسمائة درهم . وتجب في سنة لما روي عن محمد بن الحسن C تعالى أنه قال : ( بلغنا أن رسول الله A جعله على العاقلة في سنة ) ولأنه إن كان بدل النفس من حيث أنه نفس على حجة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم فعملنا بالشبه الأول قي حق التوريث وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة .
ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق الحديث ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية ولا تفاوت في الجنين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة .
فإن ألقته حيا ثم مات . فتجب في دية كاملة لأنه أتلف حيا بالضرب السابق .
وإن ألقته ميتا ثم ماتت ألم بعده فعليه دية بقتل ألم وعليه غرة بإلقائها الجنين وقد صح أن النبي A قضى في هذا بالدية والغرة .
وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فتجب عليه دية في الأم ودية في الجنين لأن موت الأم أحد سببي موته لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك وما يجب في الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب حتى لو ضرب بطن امرأنه فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها لأنه قالت بغير حق مباشرة ولا ميراث للقال هذا في جنين المرأة الحرة وأما جنين الامة إذا كان ذكرا فيجب نصف عشر قمته لو كان حيا وعشر قمته لو كان أنثى لأنه بدل نفسه لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين فكان بدل نفسه فيقدر بها ويجب في مال الضارب مطلقا من غير تقييد بالبلوغ إلى خمسمائة درهم .
وقال أبو يوسف : يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم ولأن الضمان في قتل الرقيق ضمان ماله عنده . فصح الاعتبار على اصله .
فإن ضربت الأمة فاعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا ولا تجب الدية وإن ما بعد العتق لأنه قتله بالضرب السابق وقد كان في حالة الرق فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف .
قالوا : ولا كفارة في الجنين لأن الكفارة فيها معنى العقوبة قود عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها ولهذا لم يجب كل البدل إلا أن يشاء لأنه ارتكب محظورا فإذا تقرب إلى الله تعال كان أفضل له ويستغفر مما صنع .
قالوا : والجنين الذي استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام لإطلاق الأحاديث ولأنه ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك فكذا في حق هذا الحكم ولأنه بهذا القدر يتميز من العلقة والدم فكان نفسا والله تعال أعلم .
الشافعية - رحمهم الله تعالى - قالوا : يجب في الجنين غرة إن انفصل ميتا بجناية في حياتها أو انفصل بعد موتها بجناية في حياتها وكذا إذا انفصل بعض الجنين بلا انفصال من أمه كخورج رأسه ميتا .
وقيل : لا بد من أنفصاله لأن ما لم ينفصل يصير كالعضو منها سواء أكانت الدناية بالقول كالتهديد أو بالفعل أو بالترك .
وإذا لم يكن معصوما عند الجناية كجنين حربية من حربين وإن أسلم أحدهما بعد الجناية أو لم يكن الجنين مضمونا كأن كان الجاني مالكا للجنين ولأمه بأن جنى السيد على أمته الحامل وجنينها من غيره وهو مالك له فعتقت ثم القت الدنين أو كانت أمه ميتة أو لم ينفصل ولا ظهر بالجناية على أمه فلا يجب شيء في هذه الصور لعدم احترامه في الولى وعدم ضمان الجاني في الثانية ولظهر موته بموتها في الثالثة ولعدم تحقق وجوده في الأخيرين .
وإن انفصل حيا وبقي بعد انفصاله زمانا بلا ألم فيه ثم مات فلا ضمان على الجاني . وإن مات حين خرج بعد انفصاله أو تحرك تحركا شديدا كقبض يد وبسطها ولو كانت حركة مذبوح أو دام ألمه ومات منه فتجب دية نفس كاملة على الجاني ولو انفصل الجنين لدون ستة أشهر . ولو ألقت امرأة بجناية عليها جنينين ميتين فغرتان تجبان فيهما أو ثلاثا فثلاث وهكذا .
ولو ألقت يدا أو رجلا وماتت فغرة لأن العلم قد حضل بوجود الجنين والغالب أن اليد بانت بالجناية أما إذا عاشت ولم تلق جنينا فلا يجب على الجاني إلا نصف غرة كما أن الحي لا يجب فيها إلا نصف دية ولا يضمن باقيه لأنا لم نتحقق ثلثه وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم وغرة في الجنين لأنه مات بالضرب . ولو ألقت يدا ثم جنينا ميتا بلا يد قبل الاندمال وزال الألم من الم فغرة لأن الظاهر أن اليد مبانة منه بالجناية أو حيا فمات من الجناية فتجب دية وحل فيها أرش اليد فإن عاش وشهد القوابل أو علم أنها يد من خلقت فيه الحياة فتجب نصف دية لليد وإن لم تشهد القوابل بذلك ولم يعلم فنصف غرة لليد عملا باليقين وتجب على العاقلة في ثلاث سيني لأنه بدل النفس ولهذا يكون موروثا بين ورثته وإذا ألقت امرأة لحما بسبب جناية عليها فيجب فيه غرة إذا قال القوابل فيه صورة خفية على غيرهن . وتجب الغرة أيضا إذا القت امرأة لحما لا صورة فيه أصلا تعرفها القوافل ولكن قلن إنه لو بقي ذلك اللح لتصور وتخلق كما تنقضي به العدة وذلك إذا كانت مضغة .
أما لو ألقت علقة لم يجب فيها شيء قطعا كما لا تنقضي به العدة .
قالوا : والغرة الواجبة عبد أو أمة كما نطق به الخبر والخبرة في ذلك إلى الغارم ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت ويشترط أن يكون مميزا سليما من عيب مبيع لأن المعيب ليس من الخيار والأصح قبول رقيق كبير من عبد أو أمة لم يعجز بهرم لأنه من الخيار مالم تنقص منافعه ويشترط في الغرة بلوغها في القيمة نصف عشر دية الأب المسلم وهو عشر دية الأم المسلمة .
ففي الحر المسلم رقيق قيمته خمسة أبعرة كما روي عنعلي وعمر وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم ولأنها دية فصارت مقدرة كسائر الديات ( ولأن الجنين على أقل أحوال الإنسان فاعتبر فيه أقل ما قدره الشرع من الديات وهو دية الموضحة والسن فإن فقدت ثلث الغرة حسا بأن لن توجد أو شرعا بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها فتجب خمسة أبعرة بدلا عنها لأنها مقدرة بها عند وجودها فعند عدمها يؤخذ ما كانت مقدرة به ولأن الإبل هي الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه فإن فقدت الإبل الدية فإن فقد بعضها وجبت قيمته مع الموجود .
وقيل : لا يشترط بلوغها ما ذكر : بل متى وجدت سليمة مميزة وجب قبولها وإن قلت قيمتها لإطلاق لقظ العبد والأمة في الخبر وسواء كان الجنين ذكرا أم أنثى لإطلاق الخبر .
والغرة لورثة الجنين على فرائض الله تعالى لأنها دية نفس ويقدر انفاصله حيا ثم موته وهي واجبة على عاقلة الجاني لخبر الصحيحين أنه A : ( قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة ) .
وقيل : إن تعمد الجناية بأن قصدها بما يلقى غالباص فالغرة عليه والجناية عليه خطأ أو شبه عمد سواء أكانت الجناية على أم خطأ أو عمدا أو شبه عمد لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد ولهذا للا يجب القصا في الجنين إذا خرج حيا وما لأن القصا إنما يجب في القتل العمد ولا يتصور العمد فيه .
قالوا : والجنين اليهودي أو النصراني بالبع لابويه قيل : كمسلم في الغرة وقيل : هو هدر وهذان القولان مبنيان على أن الغرة غير مقدرة بالقيمة والأصح غرة كثلث غرة مسلم كما في ديته وهو بعير وثلثا بعير . كما هو الحكم على الكبير منهم .
قالوا : والجنين الرقيق ذكرا كان أو غيره فيه عشر قيمة امه قنة كانت أو مديرة أم مكاتبه أو مستولدة قياسا على الجنين الحر فإن الغرة في الجنين معتبرة بعشر ما تضمن به الم وإنما لم يعتبروا قيمته في نفسه لعدم ثبوت استقلاله بانفصاله ميتاص واستثنى ما إذا كانت الأم هي الجانية على نفسها فإنه لا يجب في جنينها المملوك للسيد شيء إذ لا يجب للسيد على رقيقه شيء وتعتبر قيمة الم يوم الجناية عليها لأنه وقت الوجوب وقيل : يوم الإجهاض للجنين لأنه وقت استقرار الجناية . هذا إذا انفصل الجنين ميتا كما علم سابقا فإن انفصل حيا ومات من أثر الجناية فإنه يجب فيه قيمته يوم الانفصال قطعاص وإن نقصت عن عشر قيمة امه وتصرف الغرة في الجنين لسيده فإن كانت الأم مقطوعة أطرافها والجنين سليم أطرافه قومت بتقديرها سلمية في الأصح لسلامته كما لو كانت كافرة والجنين مسلم فإنه يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة وكذا لو كانت حرة والجنين رقيق فإنها تقدر رقيقة . وهكذا .
قالوا : وتحمل العشر المذكورة عاقلة الجاني في الأظهر من المذهب كما مر في الغرة وإذا سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان أنه سقط بجنايته فأنكر صدق بيمينه وعلى المدعي البينة ولا يقبل إلا شهادة رجلين فإن أقر بالجناية وانكر الاسقاط بجنايته فأنكر صدق بيمينه وعلى المدعي البينة ولا يقبل إلا شهادة رجلين فإن أقر بالجناية وأنكر الاسقاط وقال : السقط ملتقط فهو المصدق أيضا وعلى المدعي البينة ويقبل فيها شهداة النساء لأن الإسقاط ولادة .
المالكية - قالوا : في إلقاء الجنين سبب ضرب أو تخويف لغير وجه شرعي - أما إذا كان بسبب ضرب للتأديب فلا شيء فيه - أو بسبب شم ريح عفنة أو فتح كنيف إن كان علقة - دم لا يذوب من صب الماء الحار عليه - سواء أكانت الجناية خطأ أو عمدا من أجنبي أو أم كشر بها ما يسقط به الحمل . فأسقطته ذكراص أو أنثى كان من زوج أو زنا فيجب فيه عشر واجب أمه فإن كانت الم حرة وجب عشر ديتهان وإن كانت الم أمة وجب فيه عشر قيمتها وتعتبر قيمتها يوم الضرب وقيل : يوم الإلقاء وإن جنى أب فعليه عشر دية أم الجنين لغيرهن ولا يرث منه ويكن العشر الواجب نقدا معجلا حالا في مال الجاني عمدا أو خطأ ما لم تبلغ الغرة ثلث ديته فتكون على العاقلة كما لو ضرب مجوسي حرة مسلمة فألقت جنينا أو تجب غرة في جنين الحرة والتخيير يكون للجاني لا للمستحق . أما جنين الأمة فيتعين فيه النقد عبدا ووليدة بدل من غرة الأمة الصغيرة بلغت سبع الستين لتحرز التفرقة . وإنما يجب العشر أو الغرة إذا نفصل عنها كله ميتا وهي حية فإن ماتت قبل انفصاله فلا شيء فيه لاندراجه في جية الم وإن استهل أو نزل ضارخا أو رضع أو فعل شيئا من كل ما يدل على أنه حي حياة مستقرة فالدية لازمة فيه إن أقسم أولياؤه أنه مات من فعل الجاني وإن مات عاجلا ببعد تحقق حياته فإن لم يقسموا فلا غرة ولا دية لأنه يحتمل موته بغير فعل الجاني فإن ماتت امه وهو مستهل ومات فتجب على الجاني ديتان وإن تعمد الجاني بضرب بطن الأم فنزل مستهلا ومات فالقصاص بالقسامة وهذا هو الراجح من الخلاف .
وأما إذا تعمد الجاني قتل الجنين بضرب رأس أمه فالراجح أنه تجب الدية عليه كتعمده بضرب يدها أو رجلها .
والحاصل أن في ضرب البطن والظهر والرأس خلافا فقال أبن القاسم يجب القصاص بقسامة وقال أشهب : لا قود فيه بل يجب الدية في مال الجاني بقسامة أيضا وأما تعمده الضرب في غير هذه المواضع فتجب الدية في ماله بقسمة ومحل القصاص في تلك المسائل إن لم يكن الجاني الب أما إذا كان الجني هو الب فلا يقتص منه إلا إذا قصد قتل الجنين بضرب بطن الأم خاصة .
ويجب تعدد الواجب من عشر أو غرة إن لم ستهل ودية إن استهل بتعدد الجنين ثم إن كان القتل خطأ وبلغ الثلث فتحمله العاقلة وأما إن كان عمدا أو كانت الغرة أقل من الثلث فلا تتحمله العاقلة بل يجب في مال الجاني حالا معجلا .
وورث الواجب في الجنين من عشر أو غيره على الفرائض المعلومة شرعا الشاملة للفرض والتعصب فللأب الثلثان وللأم الثلث ما لم يكن له اخوة وإن كان له اخوة فللأم السدس وهيذا هو الراجح من المذهب خلافا لمن قال : تختص به الم إذا لم تكن هي الجانية والقائل به ربيعة وذلك لأنها كالفرض عن جزء منها وخلافا لقول أبن هرمز حيث قال : للم والب على الثلث والثلثين ولو كان له اخوة وكان له اخوة وكان الإمام مالك يقول بهذا الرأي اولا ثم رجع إلى القول الول لأنه الراجح .
واعلم بأنه إذا كان المسقط للجنين احد الآبوين كان هو القاتل فلا يرث من الواجب المذكور شيئا لأن القاتل لا يرث