مبحث الديات .
المالكية الشافعية والحنابلة رحمهم الله تعالى - قالوا : الدية : هي المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها وأصلها ودية مشتقة من الودي وهو رفع الدية ولأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله لا أن يصدقوا } آية 92 من النساء والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك كثيرة والإجماع منعقد على وجوبها في الجملة .
قالوا : يجب في قتل الذكر الحر المسلم المحقون الدم والقاتل له لا رق فيه مائة بعير لأن الله تعالى أوجب في الآية المذكورة دية وبينها النبي A في كتاب عمرو بن حزم في قوله : ( في النفس مائة من الإبل ) رواه النسائي .
وأول من سنها مائة عبد المطلب حد النبي صلوات الله وسلامه عليه وجاءت الشربعة مقررة لها والبعير يطلق على الذكر والأنثى ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل وأن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة بخلاف الجناية على الرقيق فإن فيه القيمة المختلفة أما إذا كان المقتول غير محقون الدم كتارك الصلاة كسلا والزاني المحصن إذا قتل كل منهما وهو مسلم فلا دية فيه ولا كفارة وقد يعرض للدية ما يغلظها وهو أحد أسباب خمسة كون القتل عمدا أو شبه عمد أو في الحرم أو للذي رحم محرم وقد يعرض لها ما ينقصها وهو أحد أسباب أربعة : الأنوثة والرق وقتل الجنين والكفر فالأول يردها إلى الشطر والثاني إلى القيمة والثالث إلى الغرة والرابع إلى الثلث .
وهي مثلثة قي قتل العمد سواء أوجب فيه قصاص وعفي عنه أم لا كقتل الوالد ولده والمراد بتثليثها جعلها ثلاثة أقسام . وإن كان بعضها أزيد من بعض وهي ثلاثون حقه وهي الناقة التي طعنت في السنة الرابعة وثلاثون جذعة وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة وأربعون خلفة أي حاملا لخبر الإمام الترمذي بذلك فهي مغلظة من ثلاثة أوجه كونها على الجاني وكونها حالة ومن جهة السن . وهي في العمد على الجاني مثلثة معجلة وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة .
وإنما أوجبوا الدية حالة في العمد تعظيما لحرمة المسلم المجني عليه وجبرا لخاطر أولياء الدم .
قالوا : وتغلظ الدية في جرح العمد كما تغلظ في النفس من تثليث وتربيع لا فرق في الجرح بين ما يقتص في كالموضحة أو لا .
الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا : يجب في قتل العمد وشبه العمد دية مغلظة على العاقلة والكفارة على وحرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث والأصل في وجب الدية المغلظة على عاقلة القاتل في شبه العمد حديث حمل بن مالك رضي الله تعالى عنه فقد روي عن حمل بن مالك قال : كنت بين ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط أو بمسطح خيمة فألقت جنينا ميتا فاختصم أولياؤها إلى رسول الله A فقال عليه اللام لأولياء الضاربة ( دوه ) فقال أخوها : اتدي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ودم مثله يطل فقال عليه السلام : ( أسجع كسجع الكهان ؟ وفي رواية ( دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه ) ولا ريب أن قضاء الرسول A بالدية على العاقلة على ما ذكروا في تفصيل الحديث إنما كان بجناية شبه العمد ودون الخطأ فكأن وجوب الدية على العاقلة في جناية شبه العمد ثابتا بالنص دون القياس .
وقالوا : والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب Bه وتؤجل تعظيما لحرمة الجاني ورحمة به فإن المجني عليه قد نفذت في الأقدار عند انتهاء أجله المقدر والجاني ترجى توبته والعفو عنه إذا أجلت الدية ثلاث سنين .
ودية شبه العمد مائة من الإبل أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وهي الناقة التي طعنت في السنة الثانية من غمرها وخمس وعشرون بنت لبون وهي الناقة التي طعنت ففي الثالثة . وخمس وعشرون ناقة وهي التي طعنت في السنة الرابعة وخمس وعشرون جذعة وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة من سنها وإنما غلظت الدية لقوله A ( في نفس المؤمن مائة من الإبل ) ووجه الاستدلال به أنه الثابت منه عليه السلام وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ ولا بد منه بالإجماع وما رواه غير ثابت لاختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في صفة التغليظ فإن عمر وزيدا وغيرهما قالوا : مثل ما قالوا .
وقال على Bه تجب ثلاثا ثلاث وثلاثون ناقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة وقال أبن مسعود بمثل ما قال الحنفية أرباعا والرأي لا مدخل له في التقارير فكان كالمرفوع ويصير معارضا لما رووه وإذا تعارضا كان الأخذ بالمتيقن أولى ودية شبه العمد مثل دية العمد المحض .
قالوا : ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة . فلا يزاد في الدراهم على عشرة آلاف درهم ولا يزاد في الدنانير عن ألف دينار .
دية الخطأ .
الحنفية - والحنابلة - قالوا : إن الدية في الخطأ مائة من الإبل على العاقلة وتجب الكفارة في مال القاتل والدية تكون أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون أبن مخاض وعشرون ناقة وعشرون جذعة وهذا قول أبن مسعود رضي الله تعالى عنه أخذوا به ولأنه أخف فكان أليف بحالة الخطأ لأن الخاطئ معذور .
الشافعية والمالكية - قالوا : قي قتل الخطأ تجب الدية أخماسا مؤجلة على العاقلة إلا أنهم جعلوا عشرين أبن لبون مكان عشرين أبن مخاض لخبر الترمذي وغيره بذلك فهي مخففة في الخطأ من ثلاثة اوجه من كونها على العاقلة من السن في الإبل ومن التأجيل في دفعها ودية شبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة فهي مخففة من وجهين مغلظة من وجه .
أنواع الدية .
الحنفية والحنابلة - قالوا : يجوز أخذ الدراهم والدنانير مع وجود الإبل ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة الإبل والذهب والفضة . فمن الإبل مائة ومن الفضة عشرة آلاف درهم ومن الذهب ألف دينار لأن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وغير هذه الأنواع الثلاثة مجهولة المالية ولهذا لا يقدر بها ضمان شيء مما وجب ضمانه بالإتلاف والتقدير الإبل عرف بالآثار المشهورة .
وقال أبو يوسف ومحمد - تثبت الدية من الإبل والذهب والفضة ومن البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألفا شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبا لأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هكذا جعل على أهل كل مال منها .
الشافعية والمالكية - قالوا : لا يؤخذ في الدية بقر ولا غنم ولا حلل - ولا غرض ومن لزمته دية وله أبل فتؤخذ الدية منها ولا يكلف غيرها لأنها تؤخذ على سبيل المواساة .
وقيل : تؤخذ من غالب إبل قبيلته إن كانت إبله من غير ذلك وإن لم يكن له إبل فتؤخذ من غالب إبل قبيلة بدوي لأنها بدل متلف وإلا فتؤخذ من غالب إبل أقرب بلاد إلى موضع المؤدي ما لم تبلغ مؤنة نقلها مع قيمتها أكثر من ثمن المثل بقبيلة العدم فإنه لا يجب حينئذ نقلها وإذا وجب نوع من الإبل لا يعدل عنه إلى نوع من غير ذلك الواجب ولا يعدل إلى قيمة عنه إلا بتراض من المؤدي والمستحق لأن المقصود بها تعظيم حرمة المجني عليه .
ولو عدمت إبل الدية فالقديم الواجب ألف دينار على أهل الذهب أو اثنا عشر ألف درهم فضة على أهل الدراهم للحديث الوارد عن النبي A : ( على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ) صححه أبن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم والقول الجديد الواجب قيمة الإبل وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت لأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند أعواز أصله وتقوم بنقد غالب بلده لأنه أقرب من غيره وأضبط وإن وجد بعض الإبل الواجبة أخذ الموجود منها وقيمة الباقي .
المالكية - قالوا : لا يشترط في الإبل حد السن وإنما المدار على أن تكون الإبل حاملا سواء كانت حقة أو كانت جذعة أو غيرهما .
واتفقوا على أنه لا تؤخذ في الدية الإبل المريضة ولا المعيبة إلا برضى المستحق بذلك إذا كان أهلا للتبرع لأن الحق له فله إسقاطه ويثبت حمل الخلفة المأخوذة من الدية بأهل خبرة بذلك . بأن يشهد عدلان منهم عند إنكار المستحق حملها إلحاقا لها بالتقويم وإن أخذها المستحق . بقولهما أو بتصديق المستحق على حملها ثم ماتت عند المستحق وشق جوفها فبانت حائلا غرمها وأخذ بدلها حاملا والأصح أجزاؤها قبل خمس سنين لصدق الاسم عليها