مبحث القصاص فيما دون النفس .
اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن من قطع يد غره من المفصل عمدا قطعت يده من المفصل وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوع لقوله تعالى : { والجروح قصاص } ( آية 45 من سورة المائدة ) وهو ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا يمكن رعاية المماثلة فيه فلا يجب فيه القصاص وقد أمكن رعاية المماثلة في القطع من المفصل فاعتبر ولا معتبر بكبر اليد وصغرها لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك وكذلك قطع الرجل وقطع مارن الأنف وقطع الأذن الظاهرة لإمكان رعاية المماثلة فإن قطع الأصابع ثم قطع الكف هو أو غيره بعد الاندمال أو قبله وجب حكومة في الكف وكذلك إن قطع فوق الكف ومن ضرب عين رجل بحديدة عمدا فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع أما إن كانت العين قائمة فذهب ضوءها فعليه القصاص لإمكان المماثلة بأن تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوءها وهو مأثور عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ولو كانت عين أحول أو أعمش أو أعور أو عين أخفش أو عين أعشى لأن المنفعة باقية بأعين من ذكر .
قالوا : وفي السن يجب القصاص لقوله تعالى : { والسن بالسن } ( آية 45 من سورة المائدة ) وإن كان سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا للفظ مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبن مسعود رضي الله تعالى عنهما وقال رسول الله A : ( لا قصاص في العظم ) والمراد غير السن لأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو أقلع من أصله بقلع الثاني فيتماثلان ( وقد روي أن الربيع عمة أنس بن مالك Bه كسرت ثنية جارية من الأنصار بلطمة فأمر النبي A بالقصاص ) .
قالوا : وليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطا لأن شبه العمد يعود إلى الآلة والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون الأطراف لأنه لا يختلف إتلافها باختلاف الآلة فلم يبق إلا العمد والخطأ - ولأن شبه العمد إذا حصل فيما دون النفس وأمكن فيه القصاص جعل عمدا وإن لم يمكن القصاص جعل خطأ .
قالوا : ومن قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه إذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه وكذا البرء نادر فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا - ولو قطع اليد من وسط الذراع أو قطعها من وسط العضد اقتص منه من الكف فيقطع من الكوع في الصورة الأولى لأنه أقرب موضع من محل الكسر وتجب في الباقي حكومة وهو جزء مقدر من الدية لتقدر القصاص فيها وله أن يعفو في المسألتين أو يعدل إلى المال ولو طلب أن يقطع من الكوع في المسألة الثانية يمكن