مبحث شهادة الشهود .
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى : على أن الشخص لو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال لم تقبل شهادته للتهمة لأنه لو ماب مورثه كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه وهي شهادة غير مقبولة شرعا قالوا : إلا أن يكون على المجروح دين يستغرق تركته فتقبل شهادته لأنه لا يجر بذلك لنفسه نفعا وفيه نظر لأن الدين لا يمنع الإرث وبما يبرأ منه ولا حتمال ظهور مال لمورثه مخفيا .
قال الرافعي : وشهادتهم بتزكية الشهود كشهادتهم بالجرح .
والمراد بالشاهد الوارث غير اصله وفرعه لأن شهادتهما لا تقبل مطلقا للبعضية قالوا : ولو شهد لمورثه بمال في مرض موته تقبل في الأصح موته تقبل في الأصح عند أكثر العلماء .
وقيل : لا تقبل كالجرح وقد فرق ( القارقي ) بينهما بأنهما إذا شهدا بالمال لم يحصل لهما نفع حال وجوبه لأن الملك يحصل للمشهودل له وينفذ تصرفه فيه في ملاذه وشهواتهن وإذا شهدا له بالجراحة كان النفع حال الوجوب لهما لأن الدية قبل الموت لم تجب وبعده تجب لهما .
وفرق غيره بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق فإذا شهد بالجرح فكأنه شهد بالسبب الذي ثبت به الحق ههنا بخلافه .
قالوا : ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل أو قطع طرف خطأ أو شبه عمد يحملونه وقت الشهادة لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم فإن كانوا لا يحملونها وقت الشهادة نظرت فإن كانوا من فقراء العاقلة فالنص ردها أيضا أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء بالواجب فالنيص قبولها والفرق أن المال غاد ورائح والغنى غير مستبعد فتحصل التهمة وموت الغريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تحقق التهمة لمثله .
بخلاف ما إذا شهدوا بفسق بينة القتل العمد وبينة الإقرار بالقتل فإنها تكون مقبولة في هذه الحالة لعدم التهمة إذ لاتحمل .
قالوا : ويشترط في الشهادة السلامة من التكاذب فلو شهد اثنان على اثنين بقتل شخص فشهد المشهود عليهما مبادرة على الأولين أو غيرهما بقتله فإن صدق الولي الأولين حكم بهما لسلامة شهادتهما عن التهمة وسقطت شهادة الآخرين لانهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان والدافع متهم في شهادته ولو صدق الولي الآخرين أو صدق الجميع أو كذب الجميع بطلت الشهادتان في المسائل الثلاثة المذكورة - أما الأول فلآن في تصديق الآخرين تكذيب الأولين وعداوة الآخرين لهما وأما في الثانية فلآن في تصديق كل فريق تذكيبا للآخر وأما الثالثة فالأمر فيهما ظاهر حيث كذب الطرفين .
قالوا : ولو أقر بعض الورثة - ول كان فاسقا - بعفو بعض منهم عن القصاص سواء عينه أو لا ؟ سقط القصاص عن الجاني لأنه لا يتبعض ولو اعترف بسوقط حقه منه فيسقط حق الباقي في القصاص أما الدية فإنها باقية لا تسقط بل وإن لم يعين العافي فللورثة كلهم الدية وإن عينه فأنكر فكذلك لا تسقط الدية ويصدق بيمينه أنه لم عف وإن أقر بالعفو مجانا أو مطلقا سقط حقه من الدية وثبت للباقين من الورثة حصتهم منها .
ويشترط لإثبات العفو من بعض الورثة عن القصاص لا عن حصته من الدية شاهدان عدلان من الرجال لأن القصاص ليس بمال وما لا يثبت بحجة ناقصة لا يحكم بسقوطه أما إثبات العفو عن حصته من الدية فيثبت بالحجة الناقصة أيضا من رجل وامرأتين أو رجل ويمين لأن المال يثبت بذلك فكذا إسقاطه .
وإذا شهد بعض الورثة بعفو بعضهم عن القصاص فإن كان فاسقا أو لم يعين العافي منهم فهو كالإقرار .
وإن كان عدلا وعين العافي وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا بعد دعوى الجاني قبلت شهادته في العفو عن الديةن ويحلف الجاني مع الشاهد أن العافي عقا عن الدية لا عنها وعن القصاص لأن القصاص سقط بالإقرار فيسقط من الدية حصة العافي وإن شهد بالعفو عن الدية فسقط لم يسقط قصاص الشاهد .
قالوا : وإذا رجع شهود القصاص ضمنوا الدية ولا قصاص عليهم لأنه لم يوجد منهم القتل مباشرة والتسبيب لا يوجب القصاص كحافر البئر بخلاف الإكراه لأن المكره فيه مضطر إلى ذلك فإنه يؤثر حياته وكذلك الولي فإنه مختار والاختيار يقطع التسبيب وإذا امتنع القصاص وجبت الدية لأن القتل بغير حق لا يخلو عن أحد الموجبين ولو شهدا بالعفو عن القصاص ثم رجعا لم يضمنا لأن القصاص ليس بمال .
قالوا : وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا لأن التلف اضيف إليهم فإنهم الذين ألجؤوا القاضي إلى الحكم وإن رجع شهود الأصل وقالوا : لم نشهد شهود الفرع لم يضمنوا لانهم أنكروا التسبيب وهو الاشهاد والقضاء ماض لأنه خبر محتمل .
ولو قالوا : أشهدناهم وغلطنا فلا ضمان عليهم لأن القضاء وقع بما عابثه من الحجة وهي شهادة الفروع فيضاف إليهم اه