مبحث ما لا يجب عليه القصاص في العمد .
الحنفية قالوا : لا يجب القصاص على المسلم إذا قتل المستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد لأن كفره باعث على الحراب لأنه على قصد الرجوع إلى داره فكان كالحربي .
ولا يقتل الذمي بالمستأمن لقيام المبيح وعدم التكافؤ .
ولا يقتل الرجل بابنه لقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( لا يقاد الوالد بولده ) وهو معلوم بكونه سببا لإحيائه فإن المحال أن يتسبب لفنائه ويلحق بالأب الأم وكذلك الجد والجدة من قبل الأب والأم وإن سفل .
ولا يقتل الرجل بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص ولا يستوجب ولده على أبيه إذا قتل الأب ولده عبده .
ولا يقتل الرجل بقتل عبد ملك بعضه . بهبة أو ميراث أو شراء لأن القصاص لا يتجزأ .
ومن ورث قصاصا على أبيه مثل أن يقتل الرجل أم ابنه الكبير مثلا سقط القصاص عن الأب لحرمة الأبوة .
وإن قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن لا ملك له فلا يليه والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين فيجب اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه .
والعبد الذي أعتق بعضه إذا مات ولم يترك وفاء فلا يجب القصاص على قاتله لأن ملك المولى لا يعود بموته ولا ينفسخ بالعجر ما عتق منه .
ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه عن أبي حنيفة وقال الصاحبان يجب عليه القصاص ويستوفى منه القصاص بحز رقبته بالسيف .
ومن رمى رجلا بسهم عمدا فنفذ منه السهم إلى رجل آخر وأصابه وماتا معا فيجب عليه القصاص في الأول وتجب الدية لورثة الثاني على عائلة الرجل القاتل . لأن الول عمد والثاني احد فرعي الخطأ فكأنه رمى صيدا فأصاب آدميا والقتل يتعدد بتعدد أثره ولا قصاص على من قتل لصا دخل عليه ليلا وأخرج ماله أو اعتدى على عرضه ولا قصاص على صبي ولا مجنون لانهما غير مكلفين : يجب الدية على العاقلة ولا قصاص على مسلم قتل مسلما ظن أنه مشرك عند التقاء الصغين من المسلمين والمشركين ولا قصاص على من قتل رجلا باغيا شهر سيفه على المسلمين في طريقهم ليعتدي عليهم .
الشافعية والحنابلة - قالوا : يشترط لوجوب القصاص في القتيل إسلامه لخبر مسلم عن الرسول A : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) ويشترط أمان المقتول إما بعقد ذمة وإما بعهد أو أمان مجرد لقوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } آية [ 6 : من التوبة ] .
فلا يجب القصاص على قاتل الحربي لأنه مهدر الدم لعموم قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } آية [ 5 : من التوبة ] .
فلا قصاص على من قتل المرتد عن الإسلام والعياذ بالله تعالى لقوله صلوات الله وسلامه عليه . ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ويسقط القصاص عن الصبي والمجنون لما روي عن الرسول A أنه قال : ( رفع القلم عن ثلاث ) وإنما يسقط القصاص عن المجنون إذا كان جنونه مطبقا لا يقيف منه أما الجنون المتقطع فينظر إن كان في زمن إفاقته فهو كالعاقل الذي لا جنون به وإن كان الحادث وقع في زمن جنونه فهو كالمجنون الذي لا إفاقة له .
أما السكران فالظاهر من المذهب وجوب القصاص عليه إن تعدى بسكره لأنه مكلف ولئلا يؤدي إلى ترك القصاص لأن من رام القتل لا يعجز أن يسكر حتى لا يقتص منه وألحق به من تعدى بشراب دواء مزيل للعقل فإنه يقتص منه .
أما السكران غير المعتدين فهو كالمعتوه فلا قصاص عليه .
ولو قال : كنت يوم القتل صبيا أو مجنونا وكذبه لي المقتول صدق القاتل بيمينه إن أمكن الصبا وقت القتل وعهد الجنون قبله لأن الأصل بقؤهما بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه فإنه يقتص منه .
ولو قال القاتل : أنا الآن صبي وأمكن فلا قصاص عليه ولا يحلف أنه صبي لأن التحليف .
لاثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليف إبطال لتحليف ولا قصاص على حربي قتل حال حرابته ثم عصم بعد ذلك بإسلام أو ذمة لما تواتر من فعله A والصحابة بعده . من عدم القصاص ممن أسلم لأن الإسلام يجب ما قبله وقد عفا الرسول A عن وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه ولا يقتل مسلم ولو كان زانيا محصنا بقتل ذمي للحديث الوارد في صحيح البخاري C تعالى عن النبي A أنه قال : ( ألا لا يقتل مسلم بكافر ) لأنهم اشترطوا في القاتل مكافأته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أما أو جزية أو أصلية أو سيادة ولهذا لا يقتل ذمي بمرتد ولا يقتل حر بمن فيه رق ولو قت الحر المسلم شخصا لا يعلم أنه مسلم أو كافر ولا أنه حر أو عبد فلا قصاص للشبهة ولا يقتل المكاتب إذا قتل عبده ولا قصاص على من بعضه حر وبعضه عبد إذا قتل مثله سواء ازدادت حرية القاتل على حرية المقتول أم لا لأنه لم يقتل بالبعض الحر البعض الحر وبالرقيق الرقيق بل قتله جيمعه بجيمعه حرية ورقا شائعا فيلزم قتل جزء حرية بجزء رق وهو ممتنع .
ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي لأن المسلم لا يقتل باذمي والحر لا يقتل بالعبد ولا تجبر فضيلة كل منهما بضعته . ولو قتل ذمي عبدا ثم نقض العهد واسترق لا يجوز قتله وإن صار كفؤا له لأن الاعتبار بوقت الجناية ولم يكن مكافئا له . ولا قصاص بقتل ولد للقال وإن سفل للحديث الوارد في الحاكم والبيهقي وصححاه . إن الرسول A قال : ( لا يقاد للابن من أبيه ) ولرعاية حرمته وكذا لا قصاص على الأم والأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأم والأب لأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه من ذكر كالنفقة .
ولا قصاص للولد على الوالد كأن قتل الرجل زوجة نفسه وله منها ولد فصار وليا لدمها أو قتل الأب زوجة ابنه أو لزمه قود فورث بعضه ولده كأن قتل أبا زوجته ثم ماتت الزوجة وله منها ولد فورث الدم عن أمه لأنه إذا لم يقتل بجنايته على ولده فلأن لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى . ويقتل الولد الحر المسلم بالوالد الكافر .
ولو تداعيا قتيلا مجهولا نسبه فقتله أحدهما قبل تبين حاله فلا قصاص في الحال لأن أحدهما أبوه وقد اشتبه الأمر فهو كما لو اشتبه طاهر بنجس لا يستعمل أحدهما بغير اجتهاد بل يعرض الأمر على القائف فإن ألحقه القائف بالآخر اقتص الآخر لثبوت أوته وانقطاع نسبه عن القاتل وإن لم يلحقه القائف بالآخر فلا يقتص لعدم ثبوت الأبوة .
ولو أشتركا في قتله وألحقه الفائف بأحدهما اقتص من الآخر ( الأجنبي ) لأنه شريك الأب . ولا قصاص على مسلم إذا رمى مسلما . ثم ارتد والعياذ بالله تعالى وهو مجروح بالرماية ثم مات بسبب السراية مرتدا لأنه لو قتل حينئذ مباشرة لم يجب فيه شيء .
المالكية قالوا : يسقط القصاص عن الصبي وعن المجنون الذي ارتكب الجناية حال جنونه أما إذا ارتكب الجناية حال إفاقته فإنه يقتص منه فإن جن انتظر حتى يفيق فإن لم يفق فالدية في ماله ولا قصاص على السكران وإن كان سكره بحلال لأنه كالمجنون فتجب الدية على عاقلته كالمخطئ وإن كان سكر بحرام فهو مكلف ولا يقتل الحبي قصاصا بل يهدر دمه لأن العصمة تكون بإيمان أو أمان ولا يقتل حر بذمي ولا يقتل مسلم بذمي حر لأن الإسلام أعلى من حرية الذمي والأعلى لا يقتل بالأدنى لأنه يشترط عندهم أن لا يكون القاتل زائدا حرية أو إسلاما عن المجني عليه ولا قصاص علىقاتل الحربي والمرتد لعدم العصمة عندهما