وروى الإمام أحمد قال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية : انا سنرضيه فألح الأنصاري فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أو الدرداء : سمعت رسول الله يقول : ( ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط به عنه خطية ) فقال الأنصاري . فإني قد عفوت .
وروي عن عدي بن ثابت : أن رجلا اهتم فمه رجل على عهد معاوية Bه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثة فأبى فحدث رجل من أصحاب رسول الله A قال : ( من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم أن ولد إلى يوم يموت ) والأحاديث في ذلك كثيرة .
الحنفية قالوا : من قطع يد رجل عفا المقطوعة يده عن القطع . ثم مات بعد ذلك فعلى القاطع الدية في ماله وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس ثم إن كان خطأ فهو من الثلث وإن كان عمدا فهو من جميع المال .
لأن العفو عن القطع والشجة والجراحة ليس لعفو عما يحدث منه فإذا وقع شيء من ذلك وعفا المجني عليه عنه بعد الجرح ثم سرى ومات بسببه فعلى الجاني الدية في ماله خاصة . لأن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة مقومة والعفو لم يتناوله بصريحه لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل لا محالة وبالسراية تبين أن الواقع قتل لا قطع وحقه فيه فما هو حقه لم يفع عنه وما عفا عنه فليس بحقه فلا يكون معتبراص ألا ترى أن الولي لو قال بعد السراية : عفوتك عن اليدن لم يكن عفوا ولو قال المجني عليه : عفوتك عن القتل وأقتصد القطع لم يكن عفوا فكذا إذا عفا عن اليد ثم سرى القطع وإذا لم يكن معتبرا وجب الضمان .
والقياس يقتضي القصاص لأنه هو الموجب للعمد إلا أنا تركناه لأن صورة العفو اورثت شبهة وهي دارئة للقود فتجب الدية في ماله .
وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى : من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك القطع بسبب السراية فهو عفو عن النفس أيضان فلا شيء على القاطع لأن العفو عن القطع عفو عن موجبه لأن الفعل عرض لا يبقى فلا يتصور العفو عنه فيكون العفو عنه عفوا عن موجبه وموجبه أما القطع إذا اقتصر ولم يسر وإما القتل إن سرى القطع ومات بسببه فكان العفو عفوا عنهما جميعاص ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فإن الاذن بالقطع به وبما حدث منه حتى إذا قال شخص لآخر : اقطع يدي فقطعه ثم سرى إلى النفس فإنه لم يضمن والعفو إذن انتهاء فيعتبر بإذن ابتداء فصار كما إذا عفا عن الجناية فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة .
وقال الإمام : لا نسلم أن الساري نوع من القطع وإن السراية صفة له بل السراية قتل من الابتداء لأن القتل فعل مزهق للروح ولما انزهق الروح به عرفنا أنه كان قتلا ولأن القتل ليس بموجب للقطع من حيث كونه قطعا فلا يتناوله العفو بخلاف العفوعن الجناية لأنه اسم جنس وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل ولو كان القطع خطا فقد أجراه مجرى العمد في العفو عن القطع مطلقا والعفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الشجة والعفو عن الجناية ولأن العفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الجناية عفو عن الدية بالاتفاق والعفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لاغير والعفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما وعنده عن أرش الشجة لا غير والقطع إن كان خطأ وجبت الدية من ثلث المال وإن كان عمدا فهو جميع المال عند أبي حنيفة C اه .
الصلح في القتل عمدا على مال .
اتفق الأئمة على أنه إذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا زائدا على مقدار الدية لقوله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } على ماقيل : إن الآية نزلت في الصلح وهو قول ابن عباس والحسن والضحاك ومجاهد وهو موافق للام فإن لفظ ( عفا ) إذا استعمل باللام كان معناه البدل أي فمن أعطى من جهة أخيه في الدين المقتول شيئا من المال بطريق الصلح عن مجاملة وحسن معاملة .
ولأن القصاص حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثيرفيه سواء لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره وإن لم يذكروا خالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد والأصل في أمثاله الحلول مثل المهر والثمن بخلاف الدية لانها ما وجبت بالعقد .
المالكية قالوا : يجوز صلح الجاني مع ولي الدم في القتل العمد ومع المجني عليه في الجرح العمد بأقل من الدية أو أكثر منها حالا ومؤجلا بذهب أو فضة أو عرض .
عفو احد الشركاء في الدم .
الحنفية قالوا : إذا عفا احد الشركاء في الجم أو صالح عن حقه على عوض سقط حق الباقين في القصاصن وكان لهم نصيبهم من الدية لان الدية متجزئة لكونها من قبيل الأموال في الجملة بالاتفاق فيجب أن يكونا للجميع حتى للزوجين لأن وجوبهما اولا للميت ثم يثبت للورثة . ولا يقع للميت إلا بأن يسند الوجوب إلى سببه وهو الجرح فكانا كسائر الأموال في ثبوتهما قبل الموت ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله دخلت دينه فهيا وتعضى منه ديونه وكان الإمام على Bه يقسم الدية على من أحرز الميراثن وكفى به قدوة وإذا ثبت ذلك فكل من الورثة يتمكن من الاستيفاء والعفو والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت للورثة بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا لأنه امتنع بمعنى راجع إلى القاتل وليس للعافي شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه .
الشافعية والمالكية - قالوا : إنه لا حظ للزوجين في القصاص والدية ولاحق لهما فيهما وذلك لأن الوراثة فيما يجب بعد الموت خلافة وهي فيه بالنسب لا السبب لانقطاعه بعد الموت . والزوجية تنقطع بالموت ولأن المالكية يقولون : لاحظ للنساء في القصاص والدية معا .
والشافعية يقولون : لاحظ للناء في استيفاء القصاص ولهن حق العفو فقط اه .
إذا اقتص من الجاني فمات .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لو اقتص المجني عليه من الجاني بالعطع مثلا فمات من أثر القصاص بسبب السراية من العضو المقطوع فلا شيء على المجني عليه لأنه استوفى حقه وهو القطع ولا يمكن التقيد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص إذ الاحتراس عن السراية ليس في وسعه فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور قطع اليج ولقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه } .
الحنفية قالوا : إذا اقتص المجني عليه من الجاني فسرى القطع إلى الجسد ومات بسببه تجب الدية للورثة على عاقلة المقتص له لأنه قتل بغير حق لأن حقه القطع وهذا وقط قتلا ولهذا لو وقع ظلما لكان قتلا ووجب فيه القصاص ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة وهو مسمى القتل إلا أن القصاص سقط للشبهةن فوجب المال بخلاف الإمام وغيرهن لأنه ملكف فيها بالفعل إما تقلدا كالإمام أو عقدا كما في غيره منها . فالقاضي إذا تقلد القضاء يجب عليه أن يحكم فإذا قطع يد السارق فمات من ذلك فإنه لا شيء عليه والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي وفيما نحن فيه من الاستيفاء لا وجوب ولا التزام إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق والإباحة قال تعالى : { وإن تعفوا اقرب للتقوى } ولو رمى صيدا فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا