( تابع . . . 3 ) : - ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية فإنه لا يمكن ضبط عقوبة .
وقالوا : لو سرق اللص طعاما زمن القحط والغلاء الشديد ولم يقدر عليه لم يقطع رحمة بالناس . كما حصل في عام الرمادة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب .
السرقة من السفينة .
المالكية قالوا : إن السرقة من السفينة تتكون من ست عشرة صورة تفصيلها كما يأتي . فيقطع في السرقة من الخن وما ألحق به في ثما وهي أخرجه منها أم لا كان من الركاب أم لا بحضرة رب المال أم لا كان المال في الخن أو م ألحق به ويقطع في السرقة من غير الخن في خمس وهي إن كان بحضرة رب المال أخرجه منها أم لا أجنبيا أو من ركابها والخامسة أجنبي أخرجه منها بغير حضرة ربه وثلاث لا قطع فيها وهي ما إذا كان بغير حضرة صاحبه وكان من ركابها أخرجه أم لا أو أجنبيا ولم يخرجه منها .
السرقة من الغريم .
الحنفية والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا : إن السارق لا يجب عليه القطع إذا سرق نصابا من مال له فيه شركة بأن يسرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالا مشتراك بينهما لأن للسارق فيه حقا وهو شبهة تدرأ الحد عن السارق فلا يقطع . ومن له على رجل آخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع لأن ما فعله استيفاء لحقه الثابت والدين الحال والمؤجل في عدم القطع سواء استحسانا . لأن التأجيل لتأخير المطالبة والقياس أن يقطع لأنه لا يباح له لاخذه قبل الأجل لأن ثبوت الحق وإن تأخرت المطالبة يصير شبهة ولا يقطع لو سرق أكثر من حقه لأن بالزيادة يصير شريكا في ذلك المال بمقدار حقه ولا فرق بين كون المديون المسروق منه مماطلا أو غير مماطل ولو اخذ من غير جنس حقه . فإن كان حقه دراهم أو دنانير فأخذ عروضا قطع لأنه ليس له أخذها . وإن كان دراهم فأخذ دراهم فأخذ دنانير أو على العكس قيل : يقطع لأنها لا تصير قصاصا بحقه وإنما يقع بيعا فلا يصح إلا بالتراضي فليس له أخذها وقيل : لا يقطع للمجانسة بينهما من حيث الثمنية ويقطع لو سرق حليا من فضة ودينه دراهم .
ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير قطع لأن حق الأخذ لغيره ولو سرق من غريم ابنه الصغير لا يقطع لأن له حق الأخذ بالنيابة عن الصغير ؟ .
الشافعية قالوا : إذا كان المديون المسروق منه مماطلا فلا يقطع به وإن كان غير مماطل يقطع إذا سرق منه أما إذا أخذه بقصد الاستيفاء لم يقطع لأنه حينئذ مأذون له في أخذه وغير جنس حقه كجنس حقه في ذلك .
إذا عاد فسرق المسروق .
الحنفية قالوا : من سرق عينا فردها با كانت قائمةن ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع وذلك لن القطع أوجب سقوط عصمة بقيت شبهة أنها ساقطة نظرا إلى اتحاد الملك والمحل وقيام الموجب للسقوط وهو وانتفى السقوط بعد تحققه كان مع شبهة عدمه فيسقط بها الحد بخلاف ما لو سرقه غيره .
ولأن تكرر الجنابة بعد القطع نادر والنادر وجوده لا يشرع فيه عقوبة دنيوية زارجة فأنها حينئذ تعرى عن المقصود وهو تقليل الجناية . إذ هي قليلة بالفعل فلم تقع في محل الحاجة .
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : من سرق شيئا فقطع فيه ثم عاد فسرقه وهو بحاله فإنه يقطع فيه مرة ثانية لما رواه الدار قطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بطريق الواقدي عن رسول الله A : ( إذا سرق السارق فاقطعوا يده ثم إن عاد فاقطعوا رجله اليسرى ) الحديث ولأن السرقة الثانية مثل الآولى في سببية القطع بل أفحش لأن العود بعد الزاجر اقبح وصار كما لو باعه المالك للسارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة فإنه يقطع اتفاقا من غير خلاف ولأن المتاع بعد رده على المسروق منه في حق السارق كعين أخرى في حكم الضمان حتى لو غصبها السارق أو أتلفها كان ضامنا فكذلك في حكم القطع وعموم القرآن يوجب عليه القطع ولأنه مال معصوم كامل المقدار اخذ من حرز لا شبهة فيه . وبهذه الوصاف لزمه القطع في المرة الولى بكذلك في المرة الثانية .
هل يجتمع الغرم مع القطع .
الحنفية والحنابلة قالوا : إذا ثبتت الجناية على السارق فلا يجتمع عليه وجوب الغرم مع القطع وإن تلف المسروق هلاكا أو استهلاكا فلا يضمن فإن غرم فلا قطع وإن قطع فلا غرم أما إذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها لبقائها على ملكهن من غير خلاف وللمسروق منه الخيار فإن فاختار الغرم لم يقطع السارق وإن اختارم القطع فلا غرامة عليه لما رواه النسائي من حديث المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله A قال : ( لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد ) ففي الحديث دليل على أن العين المسروقة إذا تلفت في د السارق لم يغرمها بعد أن وجب عليه القطع سواء أتلفها قبل القطع أو بعده ولأن هذا القطع جزاء والجزاء هو الكافي فدل ذلك على أن هذا القطع كان في جناية السرقة ولأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول فصار القطع بدلا من الغرم ولذلك إذا تكرر من السارق سرقة ما قطع به لم يقطع فيه مرة ثانية لشبهة اتحا المحل والسبب .
ولأن وجوب الضمان ينافي القطع لأن يتملكه بعد أداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه أخذ ملكه ولا قطع في ملكه لكن القطع ثاب قطعا فما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي والمؤدي إليه الضمان فينتفي الضمان .
المالكية قالوا : إن كان السارق موسرا وجب عليه القطع والغرم وإن كان معسرا لم يجب عليه الضمان بل يقطع فقط . لأن له رائحة عذر لما ظهر عنده من الفاقة والحاجة و { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا : يجب القطع والغرم على السارق على أي حال موسرا أو معسرا لقول رسول الله A : ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) ولقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقوله A : ( ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه ) ولأنه اجتمع في السرقة حقان حق الله تعالى وحق للآدمي فاقتضى كل من حق موجبه ولأنه اتفقت آراء العلماء على أنه إذا كان الشيء المسروق موجودا بعينه رد إلى صاحبه فيكون إذا لم يوجد في ضمانه قياسا على سائر الأموال الواجبة . ولآنه أتلف مالا مملوكا عدوانا فيضمن مثل الغصب ولا منافاة هنا بين هذين الحقين لنهما بسببين مختلفين أحدهما حق الله وهو النهي عن هذه الناية الخاصة والآخر حق الفرد فيقطع حقا لله ويضمن حقا للعبد وصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم فيجب الجزاء حقا لله تعالى ويضمن حقا للعبد وكشرب خمر الذمي فإنه يحد حقا لله ويغرم قيمتها حقا للذمي ولما روي ان النبي A سئل عن التمر المعلق فقال : ( من أصاب بغية من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة ) الحديث ا ه .
من وجد رجلا داخل الدار .
الحنفية رحمهم الله قالوا : لو وجد في داره أجينبا فقتله ثم قال : إن هذا لص دخل على داري ليأخذ مالي ولم أستطع رده إلا بقتله ينظر في الرجل المقتول فإن كان معروفا بالفساد واللصوصية فلا قود عليه وكان على القاتل دفع الدية إلى اهله وان لم يكن معروفا بالفساد واللصوصية فعلى القاتل القود ولا يقبل دعولاه إلا ببينة .
المالكية والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : أنه يجب على القاتل القصاص إلا أن يأتي ببينة على صدق دعواه ولا ينظر إلى حالة الرجل المقتول وسلوكه وذلك حتى نقفل باب الفساد من هذا الطريق فإنها ثغرة يلجأ إليها ضعاف الايمان لإزهاق النقوس فربما يطلب الشخص رجلا لعمل شيء في داره أو لضيافته ثم يعتدي عليه ويغتالهن لودو ضغينة في نفسه ويدعي عليه أنه دخل الدار للسرقة فقتله . وقتل المؤمن من أكبر الكبائر عند الله تعالى فيجب أن يسد كل باب يكون سببا في إزهاق روحه .
إذا ملك المسروق قبل القطع .
الحنفية قالوا : إذا قضى الحاكم على رجل بالقطع في سرقة فوهبها له المالك وسلمها إليه أو باعها آياه أو آلت إليه بإرث أو غيره فإنه يدرأ الحد عنه ولا يقطع . وذلك لأن استيفاء الحد بالفعل من القضاء في باب الحدود فما قبل الاستيفاء كما قبل الفضاء ولو ملك المال المسروق قبل القضاء فلا يقطع اتفاقا فكذا قبل الاستيفاء ولن المقصود من القضاء باللفظ ليس إلا إظهار الحق للمستحق والمستحق هنا هو الله D والحق ظاهر عنده غير مفترقر إلى الإظهار فلا حاجة إلى القضاء لفظا ولا يقيده سقوط الواجب عنه إلا بالاستيفاء وإذا كان كذلك والخصومة شرط يشترط قيامها عند الاستيفاء كما عند القضاي وهي منتفية بالهبة أو البيع .
والشافعية والحنابلة المالكية - قالوا : يجب القطع في هذه الحالة لأن السرقة قد تمت انعقادا بلا شبهة وظهورا عند الحاكم وقضي عليه بالقطع ولا شبهة في السرقة إلا لو صح اعتبار عارض الملك المتأخر متقدما ليثبت اعتباره وقت السرقة ولا موجب لذلك فلا يصح فلا شبهة فيقطع ومما ينفي صحة ذلك الاعتبار ما ورد في حديث صفوان أنه قال : يا رسول الله لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال E : ( فهل قبل أن تأتي به ) رواه أبو داود وأبن ماجة زاد النسائي في روايته : ( فقطع رسول الله A وهذا بخلاف ما لو أقر له بالسرقة بعد القضاء فإنه لا يقطع لأن بالإقرار يظهر الملك السابق فينتفي القطع .
إذا نقصت قيمة السرقة قبل القطع .
الحنفية قالوا : في ظاهر المذهب إذا نقصت قيمة السرقة بعد القضاء قبل الاستيفاء عن العشرة لا يقطع لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط كماله عند الإمضاء والقطع لأنه من القضاء وهو منتف في نقصان القيمة بخلاف نقصان العين عند الاستيفاء لأن ما استهله مضمون عليه فكان الثابت عتد القطع نصابا كاملا بعضه دين وبعضه عين بخلاف نقصان السعر فإنه لا يضمنه لأنه يكون لفتور الرغبات وذا لا يكون مضمونا على احد فلم تكن العين قائمة حقيقة ومعنى فلم يقطع والحديث يقول : ( اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك ) .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا نقصت قيمة العين المسروقة بعد القضاء عن قيمة النصاب فإنه يجب القطع اعبتارا بالنقصان في العين فإنه إذا كانت ذات العين ناقصة وقت الاستيفاء والباقي منها لا يساوي عشرة دراهم يقطع بالاتفاق . فكذا إذا كانت قيمتها وقت الاستيفاء كانت قيمتها وقت الاستيفاء كذلك يجب القطع أيضا والله أعلم