واتفق العلماء على أن الزوج لو نفى الولد عقب الولادة انتفى وإذا لم ينفه حتى حالت المدة بعد الوضع لم يكن له نفيه لأنه قبل التهاني بالولادة وابتاع حاجات الولادة وقبل هدايا الأصدقاء فإذا فعل ذلك ومضت مدة عليه وهو ممسك كان فعله اعترافا ظاهرا بالولد فلا يصح نفيه بعده وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ( قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد امرأته وهو في بطنها ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولج أنكره ف - أمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها ) . وورد في حديث أبن عباس Bهما ( أن النبي A لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ويرمى ولدها ورماها أو رمى ولدها فعليه الحد ) قال عكرمة Bه : ( فكان ذلك الولد بعد ذلك أميرا على مصر من الأمصار وما يدعى لأب ) رواه أحمد وإذا كان الزوج غائبا في بلد نائية علم بولادة زوجته عند حضوره من سفره فكأنها ولدت حال علمه . فيصح له نفيه عقب علمه بولادته فإذا مكث مدة بعد العلم فلا يصح له أن ينفيه لأنه رضي به .
واتفق الفقهاء : على أنه لا ينفى نسب الحمل قبل الولادة لأنه حكم عليه ولا حكم على الجنين قبل الولادة كالإرث الوصية وإنما يؤجل الحكم عليه حتى تلد .
الحنفية - قالوا : من ولدت ولدين في بطن واحد فاعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن وإن عكس فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما وأقيم عليه الحد أما ثبوت النسب فلأنهما توأمان خلقا من ماء واحد فمتى ثبت نسب أحدهما باعترافه ثبت نسب الآخر ضرورة ولأنه لما نفى الثاني لم يكن مكذبا نفسه فيلاعن ولما نفى الأول صار مكذبا نفسه باعترافه بالثاني فيحد .
من قذف زوجته برجل سماه .
الحنفية والمالكية رحمهم الله - قالوا لو قذف رجل زوجته برجل بعينه وسماه فقال : زنى بك فلان لاعن للزوجة وحد للرجل الذي قذفه إن طلب الحد ولا يسقط حد القذف باللعان .
الشافعية في أرجح أقوالهم - قالوا : أنه يجب عليه حد واحد لهما والرأي الثاني - لكل منهما حد عليه فإن ذكر القذف في لعانه سقط الحد عنه .
الحنابلة - قالوا : عليه حد واحد لهما ويسقط بلعانها .
روي عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه ( أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال : فلاعنها فقال رسول الله A : أبصروها فإن جاءت به ابيض سبطا فضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء قال : فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين ) رواه أحمد ومسلم والنسائي والسبط - هو المسترسل من الشعر : وقوله ( فضيء العينين ) هو فاسد العينين - والأكحل الذي في عينيه سواد - والجعد من الشعر خلاف السبط . أو القصير منه وقوله ( حمش الساقين ) أي رقيق الساقين وفي رواية فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرا قليل الشعر سبطه وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا آدم كثير اللحم فقال رسول الله A : ( اللهم بين ) فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله A بينهما .
حكم اللعان من غير رؤية .
المالكية - قالوا : لو قال لزوجته - يا زانية - وجب عليه الحد إن لم يثبته وليس له أن يلاعن حتى يدعي رؤيته بعينه لأن الرؤية شرط في اللعان عندهم .
الحنفية والشافعية - قالوا : إن للزوج أن يلاعن زوجته ولو لم يذكر رؤيته لأنها ليست بشرط عندهم .
إذا رآها في العدة تزني .
المالكية - قالوا : إذا بانت زوجته منه ثم رآها تزني في أيام العدة فله أن يلاعنها ولو ظهر بها حمل بعد طلاقه وقال : كنت استبرأتها بحيضة فله أن يلاعنها أيضا .
الشافعية - قالوا : إن كان هناك حمل أو ولد فله أن يلاعن وإلا فلا حق له .
الحنفية والحنابلة - قالوا : ليس له أن يلاعن أصلا لأنها صارت أجنبية له بعد طلاقها .
من طلق امرأته عقب العقد وأتت بولد .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : لو تزوج امرأة ثم طلقها عقب العقد مباشرة من غير أماكن وطئها وأتت بولد لستة أشهر من العقد لم يلحق به كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر للتأكد من أنه حملت به قبل إجراء العقد .
الحنفية - قالوا : إنه يلحقه إذا عقد عليها بحضرة الحكم ثم طلقها عقب العقد وأتت به لستة أشهر لا قل ولا أكثر منها فإن الولد حينئذ يلحقه لحدوثه قبل الطلاق وبعد العقد .
من تزوج بامرأة وغاب عنها .
الحنيفية - قالوا : لو تزوج رجل بامرأة وغاب عنها سنتين فأتاها خبر وفاته فاعتدت منه ثم تزوجت وأتت بأولاد من الزوج الثاني ثم قدم الأول . وحجتهم في ذلك قول الرسول A ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) رواه الجماعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفي لفظ للبخاري ( الولد لصاحب الفراش ) فقد صارت فراشا له بالعقد فأولده بنص الشارع إذ الإحكام يرجع وضعها إليه ولو لم يقبلها بعض العقول .
وقد اختلف العلماء في معنى ( الفراش ) .
الحنفية - قالوا : إن الفراش في الحديث الشريف اسم للزوج وأنشد أبن الأعرابي مستلا على هذا المعنى قول جرير : باتت تعانقه وبات فراشها .
وقوله ( وللعاهر الحجر ) العاهر الزاني - يقال : عهر أي زنى - قيل ويختص ذلك بالليل ومعنى له الحجر الخيبة أي لاشيء له في الولد وقيل : أن المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى وكان محصنا .
روى الجماعة عن السيدة عائشة Bها قالت : ( اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن زمعة إلى رسول الله A فقال سعد : يا رسول الله أبن أخي عتبة بن أبي وقاس عهد إلي أنه ابنه اظهر إلى شبهه وقال عبد الله بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله ولج على فارش أبي فنظر رسول الله A إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال : هو لك يا عبد الله بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال : لم ير سودة قط ) رواه الجماعة وسودة هي أم المؤمنين Bها .
فالحنفية يثبتون النسب بمجرد العقد وقالوا : إن مجرد المظنة كافية بل قالوا : لو أن رجلا تزوج امرأة بالمغرب وهو بالمشرق لستة اشهر كان الولد ملحقا به ورد بمنع حصولها بمجرد العقد بل لابد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش مجرد ظاهر وذهب أبن تيمية إلى أنه لابد من معرفة الدخول المحقق : وكيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك ؟ .
أجاب الأحناف على ذلك بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : في هذه المسألة أن الأولاد يكونون للزوج الثاني للتأكد من أنه تزوج المرأة ووطأها وهي فارشه وذلك هو المعقول .
ولابد في ثبوت الولد أن تأتي المرأة به بعد مضى أقل مدة الحمل وهو ستة اشهر من وقت إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد عند الأئمة الثلاثة أو تأتي به من وقت العقد وإن لم يجتمع لها عند الحناف أو معرفة الوطء المحقق عند أبن تيمية وهذا مجمع عليه فولدت قبل مضي المدة لقطعنا بأن الولد من قبل العقد فلا يلحق بأحد . وقالوا : لا يجوز إلحاق الولد بأكثر من رجل واحد .
رأي الخوارج .
قال الخوارج : إن الزنا والقذف كفر ورد عليهم أهل السنة بقوله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآيات واحتجوا بالآية من وجهين : .
الأول - أن الرامي إن صدق فهي زانية وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما وذلك يكون ردة : فيجب على هذا أن تقع الفرقة ولا لعان أصلا . وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث البتة .
الثاني - أن الكفر إذا ثبت عليها لعانه - كما قالوا - فالواجب أن تقتل لا أن تجلد أو ترجم لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا .
وقال أهل السنة : إن الآية دالة على بطلان قول من يقول : إن وقوع الزنا يفسد النكاح . وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الرضاع أو بأنها كافرة ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي من قبل اللعان وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك الرأي .
رأي المعتزلة .
المعتزلة - قالوا : دلت آية اللعان على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذبا وأنه قد فسق وكذلك الزاني والزانية يستحقان غضب الله تعالى وعقابه وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما . كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال والمجانين وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب والعقاب يكون دائما كالثواب ولا يجتمعان فثوابهما أيضا محبط فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته وذلك يدل على خلود الفساق في نار جهنم .
الأئمة - قالوا : لا نسلم أنه كونه مغضوبا عليه بفسقه يتأتى كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه ثم لو سلمناه لم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب والإجماع ممنوع وقيل : إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وأطماعها ولذلك كانت في مقدمة آية الجلد )