- وبذلك تبين منه مؤبدا - أي تطلق منه - وهذا المعنى يسجل غضب الله ولعنته على الكاذب حقا ( 1 ) .
( 1 ) ( اختلف الفقهاء في وقوع الفرقة باللعان .
الحنفية والحنابلة - قالوا : لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما ولا تقع الفرقة قبل صدور الحكم .
الشافعية - قالوا : إذا اكمل الزوج الشهادة والا لتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا التعنت أو لم تلتعن وذلك لقوله تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين } فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج ولأن لعان الزوج وحده مستقل بنفي الولد فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه فيعتبر نفي الزوج لا إلحاق المرأة ولهذا إذا أكذب الزوج نفسه ألحق به الولد وما دام يبقى مصرا على اللعان فالولد منفي عنه وإذا ثبت أن لعانه مستقل بنفي الولد وجب أن يكون مستقلا بوقوع الفرقة لأن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد وجب أن يكون مستقى بوقع الفرقة لآن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد لقوله A ( الولد للفراش ) فما دام يبقى الفراش التحق به فلما انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أن يزول الفراش عنه بمجرد لعانه .
المالكية والليث وزفر - قالوا : إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة بعد لعانها خاصة وإن لم يفرق الحاكم بينهما وقد احتج الحنفية على مذهبهم بما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا وبما روي في قصة عويمر أنهما لما فرغا ( قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها هي طالق ثلاثا ) فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم والاستدلال بهذا الخبر من وجوه : .
( أحدها ) : أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله ( كذبت عليها إن أمسكتها ) لأن إمساكها غير ممكن .
( وثانيها ) : ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم وتنفيذ الطلاق إنما يمكن إذا لم تقع الفرقة بنفس اللعان .
( وثالثها ) : ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر ( مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا ) ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها وعن ابن عباس أن النبي A قال : ( المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا ) .
وقد قال أبو بكر الرازي : قول الشافعي خلاف الآية لأن الله تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين .
ولأن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب ألا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم ولأن اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي بالبينة فلما لم يجز أن يستحق المدعي ما ادعاه إلا بحكم الحاكم وجب مثله في استحقاق المرأة نفسها . ولأن أكثر ما فيه أنها زنت ولو قامت البينة على زناها أو هي أقرت بذلك فذلك لا يوجب التحريم فكذا اللعان وإذا لم يوجد فيها دلالة على التحريم وجب ألا تقع الفرقة به فلا بد من إحداث التفريق بين الزوجين إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم .
وأما حجة المالية فلأنهما لو تراضيا على البقاء على النكاح بعد اللعان لم يخليا بل يفرق بينهما فدل ذلك على أن اللعان قد أوجب الفرقة إن لم يفرق الحاكم بينهما .
اجتماع الزوجين بعد اللعان .
الشافعية والمالكية والحنابلة وأبو يوسف والثوري - قالوا : المتلاعنان لا يجتمعان أبدا بعد الفرقة وهو قول علي وعمر وأبن مسعود لما روي عن النبي A أنه قال للملاعن بعد اللعان : ( لا سبيل لك عليها ) ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان الإكذاب غاية لهذه الحرمة لردها رسول الله A إلى هذه الغاية كما قال في المطلقة بالثلاث ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .
ولآن اللعان فسخ فيكون التحريم مؤبدا كالرضاع فلا تحل له أبدا وفي الحديث ( المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا ) . ولما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود Bهم أنهم قالوا : لا يجتمع المتلاعنان أبدا .
وما رواه الزهري عن سهل بن سعد في قصة العجلاني ( مضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا فدلت هذه الروايات كلها على أن تحريم الزوجة على زوجها مؤبد .
الحنفية - قالوا : إذا أكذب الرجل نفسه وأقيم عليه الحد زال تحريم العقد وحلت له بنكاح جديد فهو تحريم مؤقت احتجوا على ذلك بقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله تعالى : { فأنكحوا ما طاب لكم من النساء } فاللعان طلاق ثلاثا لا يتأبد به التحريم .
إذا أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان .
الحنفية - قالوا : أكثر كلمات اللعان تعمل عمل الكل إذا حكم به الحاكم .
الشافعية - قالوا : لو أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم فإنها لا تدرأ العذاب عن نفسها إلا بتمام ما ذكره الله تعالى .
اتفق الفقهاء : على أن اللعان كالشهادة فلا يثبت إلا عند الحاكم . وقالوا : يشترط في اللعان أن يكون من الزوج سواء دخل بها أم لا وأن يكون بالغا عاقلا مسلما .
وقالوا : يشترط حضور جماعة للعان لا تقل عن أربعة عدول ذكور لا احتمال نكول الزوج أو إقرارها . ويشترط أن تكون الزوجة في عصمته بنكاح صحيح دون الفاسد أو تكون في العدة . ويصح لعان الأخرس إذا كان يحسن الكتابة ويشترط أن يكرر الكتابة خمس مرات قبل الشهادة .
الشافعية والحنابلة - قالوا : أن اللعان يمين .
الحنفية والمالكية - قالوا : أن اللعان شهادة مؤكدة بالأيمان موثقة باللعن والغضب وذلك لقوله تعالى : { فشهادة أحدهما أربع شهادات بالله } ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( فجاء هلال فشهد ثم جاءت فشهدت ) كما رواه أبن عباس Bهما .
وقيل : أن اللعان شهادة شائبة بيمين .
اللعان على الحمل .
الشافعية والمالكية - قالوا : يصح اللعان على الحمل قبل الوضع مطلقا ويصح كذلك نفي الحمل .
إلا أن المالكية اشترطوا أن يكون استبراؤها بثلاث حيضات أو بحيضة واحدة على خلاف بينهم . واستدلوا بالحديث السابق وأن اللعان وقع والزوجة حامل ولأن الحمل قرينة قوية يتأكد منها وجوده ولحصول الريبة بمجرد الحمل فيصح اللعان لأجله مبادرة للخلوص من العار الذي يلحقه من جراء ذلك .
الحنفية والحنابلة - قالوا : لا يصح اللعان النفي قبل الوضع لعدم التيقن لاحتمال أن يكون الحمل ريحا .
الحنفية - قالوا : لا يصح نفي الولد بعد الإقرار بهن لأنه لو صح الرجوع بعد الإقرار لصح في كل إقرار لا يمكن أن يتقرر حق من الحقوق والثاني باطل بالإجماع وقد روي أن رجلا اعترف بولده في بطنها ثم أنكره بعد ولاجتها فجلده عمر رضي الله تعالى عنه وألحق به الولد .
اتفق الفقهاء على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة . نفقة ولا سكنى لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ وكذلك السكنى ومن قال أن اللعان طلاق كأبي حنيفة يقول بوجوب النفقة والسكنى .
حكم الأخرس .
الحنفية - قالوا : لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه لوجود شبهة تذرا الحد عنه .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : يصح قذف الأخرس ويصح لعانه لزوجته إذا كانت له إشارة مفهومة توضح قصده ويعلم ما يقوله أو كان يحسن الكتابة ويلزمه الحد في هذه الحال لأن من كتب أو أشار إلى القذف إشارة يفهمها الناس فقد رمى المحصنة وألحق العار بها فوجب أدراجه تحت الظاهر وعول معاملة الناطق .
ولد المتلاعنين .
ذكر الفقهاء أن ولد المتلاعنين ينسب إلى أمه فيرث منها إذا ماتت وترثه إذا مات قبلها ولا يصح لأحد أن يرمي المرأة بالزنا بالرجل الذي اتهمها به زوجها ومن قذفها بالزنا يحد حد القذف وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج فهي محصنة والأصل عدم الوقوع في المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها من العفاف والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين ولا يصح لأحد أن يرمي ولد المتلاعنين بأنه أبن زنا ومن دعاه ولد الزنا يجلد ثمانين جلدة وقرابة الولد المنفي قرابة أمه لما روي عن أبن عباس Bهما ( وقضى أنه ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها ) وقول ( وألحق الولد بالمرأة ) وفي رواية ( فكان الولد ينسب إلى أمه ) أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وعصبة أمه تصبر عصبة له وروي أن النبي A قال في حديث اللعان ( ومن رماها به جلد ثمانين جلد ) وفي رواية ( وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولها فعليه الحد ) .
لا يصح للملاعن أن يسترد مهره .
قال الفقهاء : إذا تم اللعان فإن الزوجة يفسخ عقدها وتستحق المال الذي صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها في المدة السابقة للعان فقد روي أن هلال بن أمية بعدما لاعن امرأته قال : يا رسول الله ( مالي ) أي الصداق الذي سلمه أتليها يزيد أن يرجع به عليها فأجابه A بقوله : ( لا سبيل لك عليها ) وإنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح له استحقاقها له على فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به وهذا الرأي مجمع عليه في المدخول بها عن أبن عمر Bهما قال : قال رسول الله للمتلاعنين : حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها متفق عليه .
أما في الزوجة التي لم يدخل بها زوجها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم أنها تستحق جميعه وقال الزهري ومالك : لاشيء لها .
مخالفة لون الابن لأبيه .
الحنفية والمالكية - قالوا : لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفا له في اللون .
الشافعية - قالوا : إذا لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح .
الحنابلة - قالوا : يجوز نفي الولد الذي جاء لونه مخالفا للون أبيه مع القرينة مطلقا وأما بدون القرينة فلا . فقد روي عن أبي هريرة Bه قال : ( جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله A فقال : ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي الله صلى اللله عليه وسلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم . قال : فما لونها ؟ قال لونها ؟ قال : حمر قال هل فيها أورق ؟ قال : إن فيها لورقا قال : فأنى أتاها ذلك ؟ قال : عسى أن يكون نزعة عرق قال : فهذا عسى أن يكون نزعة عرق ولم يرخص له في الانتفاء منه رواه الجماعة . ولأبي داود في رواية ( إن امرأتي ولدت غلاما اسود وإني أنكره ) .
وروي عن السيدة عائشة Bها قالت ( إن رسول الله A دخل علي تبرق أسارير وجهه فقال : ألم تري أن مجزرا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض ) . رواه الجماعة وذلك أن الناس كانوا قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة - وكان زيد ابيض وأسامة اسود فتكلم في ذلك بقول كان يسوء رسول الله A فلما سمع قول المدلجي فرح به وسري عنه لأنه رفع التهمة عن سيدنا زيد وأثبت صدق نسب أسامة منه وذلك حق والرسول A لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وأسامة قد ثبت فراش أبيه شرعا ولما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون كان قول المدلجي دافعا لمقالة السوء .
حكم طلاقها بعد القذف .
الحنفية - قالوا : لو طلق الرجل زوجته التي رماها بالزنا بعد القذف ثلاثا أو بائنا فلا لعان بينهما ولا حد بذلك القذف ولو قال لها : أنت طالق ثلاثا ( يا زانية ) فعليه الحد دون اللعان لأنه قذف امرأة أجنبية عنه ولو قال : يا زانية أنت طالق ثلاثا فلا حد ولا لعان لأنه طلقها ثلاثا بعد وجود اللعان فسقط عنه بالبينونة .
ولو قذف أربع نسوة له لاعن مع كل زوجة منهن ولو قذف أربع أجنبيات حد لهن حدا واحدا والفرق في ذلك أن المقصود في المسألة الثانية الزجر وهو يحصل بحد واحد أما الأول فالمقصود باللعان هو دفع العار عن المرأة المتهمة وإبطال نكاحها عليه وذلك لا يحصل بلعان واحد ولو قال لها : ليس حملك مني فلا لعان لأنه لم يتيقن بقيام الحمل لم يعد قاذفا ولو نفى ولد زوجه الحرة فصدقته فلا حد ولا لعان لأنه لم يتيقن بقيام الحمل فلم يعد قاذفا ولو ننفى ولد زوجه الحرة فصدقته فلا حد ولا لعان وهو ابنهما لا يصدقان على نفيه لأن النسب حق الولد والأم لا تملك إسقاط حق ولدها فلا ينتفي بتصديقها وإنما لم يحسب الحد واللعان لتصديقها لأنه لا يجوز لها أن تشهد إنه لمن الكاذبين بعد ذلك وقد قالت إنه لمن الصادقين وإذا تعذر اللعان لا ينتفي النسب ولو طلقها بعد القذف طلاقا رجعيا وجب اللعان لقيام الزوجية ولو تزوجها بعد الطلاق البائن فلا لعان ولا حد بذلك القذف .
نفي الولد بعد الولادة .
( يتبع . . . )