مبحث رجوع أحد الشهود بعد الشهادة .
الحنفية - قالوا : إذا رجع واحد من الشهود بعد القضاء وقبل إقامة الحد حدوا جميعا حد القذف لن الامضاء من القضاء فكان رجوعه قبل الإمضاء كرجوعه قبل القضاء وتظهر ثمرة كون الإمضاء من الإمضاء من القضاء فيما إذا اعترضت أسباب الجرح في الشهود أو سقوط إحصان المقذوف أو عزل القاضي يمتنع استيفاء حد القذف وغيره .
ولو رجع واحد من الشهود في شهادته قبل القضاء حدوا جميعا لأن كلامهم قذف في الأصل وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به ولم يتصل به لأن رجوعهم منع من ذلك فبقي قذفا فيحدون حد القذف .
أما إذا امتنع الرابع عن أداء الشهادة فإنه يحد الثلاثة ولا يحد الرابع ولا يكون الحد بسبب سكوت الرابع بل يقول الثلاثة انه زنى ولا ننظر إلى سكوت الرابع فكل واحد يؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره لأنهم قذفة .
إذا كان الشهود خمسة .
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا كان عدد الشهود خمسة فرجع أحدهم بعد رجم الزاني المشهود عليه لا شيء عليه من الحد والغرامة لأنه بقي بعد رجوعه من يبقى بشهادته كل الحق وهو شهادة الأربعة .
الشافعية - قالوا : عليه الغرامة أي خمس الدية .
رجوع اثنين من الشهود .
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا كان الشهود في حد الزنا خمسة ورجم المشهود عليه ثم رجع اثنان من الشهود حد كل منهما حد القذف وغرما ربع الدية لورثة المرجوم أما الرجم فلأن الشهادة تنقلب قذفا للحال لعدم بقاء تمام الحجة من رجوع الثاني وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق والمعتبر في قدر لزوم الغرامة بقاء من بقي لا رجوع من رجع .
الشاقعية - قالوا : إن قال الشهادان اللذان رجعا في شهادتهما أخطأنا وجب عليهما قسطهما من الدية وفيه وجهان في وجه خمساها وفي وجه آخر ربعها كما قال الأئمة الثلاثة .
أما إذا قالا : تعمدنا الكذب والشهادة فإنهما يبطلان بالرجوع حدا .
رجوع المزكين للشهود .
اتفق الأئمة على أنه : إن شهد أربعة على رجل بالزنا وزكوا بأن قال المزكون هم أحرار مسلمون عدول أما لو اقتصروا على قولهم عدول فلا ضمان على المزكين إن ظهروا عبيدا فإذا زكوا كما ذكرنا فرجم ثم ظهر بعضهم كافرا أو عبدا فإما أن يستمر المزكون على تزكيتهم قائلين هم أحرار مسلمون فلا شيء عليهم اتفاقا وإن قالوا : أخطأنا في ذلك فلا يضمنون لظهور كفر أحدهم فربما طرأ الكفر بعد أداء التزكية .
الحنفية - قالوا : إذا قال المذكون : تعمدنا فقلنا هم أحرار مسلمون مع علمنا بخلاف ذلك منهم فيضمنون وتكون الدية على المزكين وخالف الصاحبان في ذلك فقالا على بيت المال .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : في هذه الصورة السابقة لا ضمان على المذكين بل الدية على بيت المال لأنهم لو ضمنوا لكل ضمان عدوان والضمان يكون بالمباشرة أو التثبت وعدم المباشرة ظاهر وكذلك التسبب لآن سبب الإتلاف الزنا وهم لم يثبتوه وإنما اثنوا على الشهود خيرا فصار كما لو أثنوا على المشهود عليه بالإحصان فكما لا يضمن شهود الإحصان بعد رجم المشهود عليه به إذ ظهر أنه غير محصن لأنه لم يثبت السبب كذلك لا يضمن المذكون .
وحجة الإمام أبي حنيفة في وجوب الضمان عليهم أن الشهادة بالزنا إنما تصير حجة موجبة للحكم بالرجم على الحاكم بالتزكية فكانت التزكية في معنى علة العلة للإتفلاف وعلة العلة كالعلة في إضافة الحكم إليها على ما عرف بخلاف الإحصان فإنه ليس موجبا للعقوبة ولا لتغليظها بل الزنا هو الموجب فعند الإحصان يوجبها غليظة لأن كفران نعمة الله فلم تضف العقوبة إلى نفس الإحصان الذي هو النعمة بل إلى كفران النعمة فكانت الشهادة به شهادة بثبوت علامة على إستحقاق تغليظ العقوبة والسبب هو وضع الكفران في موضع الشكر .
وقالوا : لا يسقط لفظ الشهادة في التزكية ولا يشترط مجلس القضاء ولا يشترط العدد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال الإمام محمد : يشترط في التزكية الإثنين في سائر الحقوق والأربعة في الزنا ويجوز شهادة رجل وامرأتين في الإحصان ثم لا يحد الشهود حد القذف لأنه قذفوا حيا فمات ولا يورث استحقاق حد القذف وإذا ظهروا عبيدا ورجعوا وجب تعزيزهم بالإتفاق .
من قتل المحكموم عليه بالرجم .
الحنفية - قالوا : إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر القاضي برجمه فقتله رجل عمدا أو خطأ بعد الشهادة قلب التعديل يجب القود على القاتل في العمد والدية في الخطأ على عاقلته وكذا إذا قتله بعد التزكية قبل بالرجم أما إذا حكم القاضي برجمه فقتله رجل عمدا أو خطأ فلا شيء عليه وإن قتله بعد القضاء ثم وجد الشهود عبيدا أو كفارا أو محدودين في قذف فالقياس أن يجب القصاص لأن قتل نفسا محقونة الدم عمدا لكنه لما ظهر أن الشهود عبيد تبين أن القضاء لم يصح ولم يصر مباح الدم وقد قتله بفعل لم يؤمر به إذ المأمور به الرجم وقد حزر رقبته فلم يوافق أمر القاضي ليصير قتله منقولا إليه مقصورا عليه .
وفي الإستحسان تجب الدية لأن قضاء القاضي بالرجم نفذ من حيث الظاهر وحين قتله كان القضاء صحيحا . فأورث شبهة الإباحة وهذا لأنه لو نفذ ظاهرا وباطنا تثبت حقيقة الإباحة فإذا نفذ من وجه دون وجه تثبت شبهة الإباحة بخلاف ما لو قتله قبل القضاء لأن الشهادة لم تصر حجة فيقتص منه في العمد فصار كمن قتل إنسانا على ظن أنه حربي وعليه علامتهم ثم ظهر أنه مسلم فعليه الدية .
في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقل العمد وتجب في ثلاث سنين لأنه وجب بنفس القتل وما يجب بنفس القتل يجب مؤجلا كالدية بخلاف ما وجب بالصلح عن القود حيث يجب حالا لأنه مال وجب بالعقد لا بنفس القتل أم إذا رجمه ذلك الرجل حتى قتله رجما ثم وجدوا أن الشهود عبيد تجب الدية في بيت المال لأنه نفذ حكم القضاء .
حكم نظر الشهود إلى فرجي الزانين .
اتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا شهد أربعة بالزنا وقالوا : تعمدنا النظر إلى فرجيهما قبلت شهادتهم لأنه لضرورة ثبوت القدرة على إقامة الحسبة والنظر إلى العورة عند الحاجة لا توجب فسقا كنظر القابلة والحاضنة والختلن والطبيب والإحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب والمرأة في حق المرأة أولى وإن لم توجب ستر ما وراء موضع الضرورة .
أما إذا قال الشهود : تعمدنا النظر إلى فرجيهما للتلذذ بالنظر فإنه لا تقبل شهادتهم بالإجماع .
إذا كان الشهود أقل من أربعة .
وإذا شهد على الزنا أقل من أربعة لا يثبت الزنا ولا يجب إقامة الحد واختلفوا في حد الشهود قال بعضهم : لا يجب على الشهود حد القذف لأنه جاؤوا مجيء الشهود قال ولآنا لو حددنا لانسد باب الشهادة على الزنا لأن كل واحد لا يأمن أن لا يوافقه صاحبه فيلزمه الحد .
الحنفية - قالوا : يجب حد القذف على الشهود إذا كانوا أقل من أربعة لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى { والذين يومون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } ولما روي أن المغيرة بن شعبة شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب أربعة : أبو بكرة ونافع ونفبع وقال زياد وهو رابعهم رأيت استا تنبو ونفسا يعلو ورجلاها على عاتقه كأذني حمار ولا أدري ما وراء ذلك فجلد عمر الثلاثة ولم يسأل هل معهم شاهد آخر ؟ لأنه تبين أنه كان نأئما مع زوجته