( تابع . . . 2 ) : - اتفق الأئمة : على أنه لا يقام الحد على السكران بإقراره على نفسه وهو .
ووردت عنه أحاديث كثيرة تفيد أن ما حرم الله الإنتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه فيتناول التحريم بيع هذه المخدرات لما يترتب على ترويجها من المفاسد والمضار بين أفراد الأمة . فهو كالمتسبب في هلاكها ودمارها بل إنه يقتل الأنفس ويضيع الأموال فهي وإن كانت تجارة في ظاهرها كما يظن بعض الناس لكنها تجارة بأرواح الناس وفساد الشباب وضياع الأخلاق وهلاك الأمة .
فلا شك في حرمة الإتجار بها ولإنها تعين على معصية . والله تعالى قد نهانا عن التعاون على الإثم والعدوان . فقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فالتجارة في هذه الأشياء لا شبهة في حرمتها لدلالة القآن الكريم على تحريمها وبهذا قال جمهور العلماء : أن هذه المخدرات لا قيمة لها في حق المسلم فلا يجوز بيعها ولا يضمن غاصبها ولا متلفها لأن ذلك دليل على عزتها وتحريمها دليل إهانتها . وقد روي عن النبي A أنه قال : ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها ) .
حرمة زراعة الحشيش .
اتفق الأئمة على تحريم زراعة الحشيش والخشخاش لإستخراج المادة المخدرة منها لتعاطيها أو الإتجار فيها وحرمة زراعتهما من وجوه : .
أولا : ماروي عن ابن عباس Bهما أن رسول الله A قال : ( إن من حس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار ) فهذا دليل على حرمة زراعتهما بطريق دلالة النص .
ثانيا : إن زراعتها لهذا الغرض رضا من الزارع تعاطي الناس لها وإتجارهم فيها والرضا بالمعصية معصية وذلك لأن إنكار امنكر بالقلب الذي هو عبارة عن كراهية القلب وبغضه المنكر فرض على كل مسلم في كل حال .
بل ورد في صحيح مسلم عن رسول الله A : ( أن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي بينا - ليس عنده من الإيمان حبة خردل ) وفيه مخالفة لولي الأمر الذي نهى عنها بالقوانبن التي وضعت لذلك وفيه مخالفة لولي الامر الذي نها عنها بالقوانين التي وضعت لذلك لوجوب طاعة ولي الامر فيما ليس لمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين .
حرمة الربح والناتج من هذه التجارة .
لقد علم أن بيع هذه المخدرات حرام فيكون الثمن الناتج من هذه التجارة حراما لقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } أي لا يؤخذ ولا يتبادل ببعضكم مال بعض بالباطل وذلك من وجهين : .
الأول : أخذه على وجه الظلم والسلب والسرقة والنهب والخيانة والتدليس وما جرى مجرى ذلك .
الثاني : أخذه من وجهة محظورة كأخذه بالعب القمار أو بطريق غير مشروع كالعقود المحرمة كما في المعاملة بالربا وبيع ما حرم الله الإنتفاع بهن كالخمر المتناول للمخدرات المذكورة . فإن هذا كله حرام مثل السرقة سواء بسواء وإن كان بطيبة نفس من مالكه .
ولما ورد من الأحاديث النبوية التي تنص على تحريم ثمن ما حرم الله الإنتفاع به كقوله A : ( إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ) رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس .
وقد جاء في كتاب ( زاد المعاد ) ما نصه : ( قال جمهور الفقهاء : إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه . لخلاف ما إذا بيع لمن يأكله وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه . وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات . وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها حرم أكل ثمنها بخلاف بيعها ممن يحل له لبسها ) ا . ه .
وإذا كانت الأعيان التي يحل الإنتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية الله على رأي جمهور الفقهاء - وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها عليه كان ثمن العين التي لا يحل الإنتفاع بها كالمخدرات حراما من باب أولى .
وإذا كان ثمن هذه المخدرات حراما كان خبيثا وكان إنفاقه في القربات كاصدقات وبناء المساجد وحج بيت الله الحرام غير مقبول أي لا يثاب المنفق عليه فقد روى مسلم عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله A : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى : " يا أيها الرسل كل من الطيبات واعملوا صالحا " الآية . وقال تعالى : " يا أيها الذين أمنو كلوا من طيبات ما رزقناكم وأشكروا الله أن كنتم أياه تعبدون " ثم ذكر الرجل يطل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب ذلك ؟ .
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن أبي مسعود Bه أن رسول الله A قال : ( والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النار إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث ) .
وروي عن أبي هريرة عن النبي A قال : ( من كسب مالا حراما فتصدق به لم يكن له أجر وكان اصره - يعني اثمه وعقوبته - عليه ) .
وما في مراسيل القاسم بن مخيمرة قال رسول الله A : ( من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك جميعا ثم قذف به في نار جهنم ) .
وروي عن النبي A أنه قال : ( أنه إذا خرج الحاج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز - أي الركاب - وقال : لبيك ناداه ملك من السماء : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ) .
فهذه الأحاديث التي يشد بعضها بعضا تدل على أنه لا يقبل الله صدقة ولا حجة ولا قربة آخرى من القربات من مال حرام من أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الإنفاق على الحج من المال الحرام حرام .
ونستطيع أن نلخص ما ذكرناه فيما يأتي : .
أولا : تحريم تعاطي الحشيش والأفيون والقات وغيرها من المخدرات المسكرة والمفطرة .
ثانيا : تحريم الإتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح .
ثالثا : حرمة تهريبها ومساعدة التجار على رواجها والتدليس عليها .
رابعا : حرمة زراعتها لإتخاذ المادة المخدرة لتعاطيها أو الإتجار بها .
خامسا : إن الربح الناتج من الإتجار في هذه المواد حرام خبيث وإن إنفاقه في الطاعات غير مقبول .
هذا وقد أطلت القول في شرح هذا الموضوع وإقامة الأدلة عليه تبيانا للحق وكشفا للصواب ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين الذين يفتون بحل هذه المخدرات وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين وأباضاليل المضلين وحتى أضع حدا لهذه المخدرات التي شاعت في هذا الزمان وانتشرت بين جميع الأوساط والطبقات حتى كادت تودي بالأمة الإسلامية وتطيح بكرامتها وعزتها . والله ولي التوفيق .
مضار البيرة .
لقد أعلن البروفيسير ايت موترين مدير جامعة لاما في " كندا " أمام المؤتمر العالمي لأمراض القلب المنعقد في لندن - أنه قام بالدراسة تبين منها أن 48 رجلا وامرأتين كانوا يعانون من أعراض تشبه مرض " البري بري " اتضح فيما بعد أنهم مصابون بمرض في القلب بسببه أحد مكونات أنواع معينة من " البيرة " . وقال : ( إن هؤلاء المرضى كانوا يحتسون يوميا 11 . 3 ليترا من البيرة وأن سبب المرض هو مادة " الكبريتات والكربات " التي تستخدم لزيادة تأثيرات المادة المسكرة في أنواع معينة من البيرة وأثبتت التجارب أنها تسبب تضخما في القلب وتمددا في الصمامات .
وقد ذكر الإمام محمد رشيد رضى في تفسيره بعد تفسير آية الخمر التي في المائدة وقد اطنب فيها ما نصه : أطلنا هذه الإطالة في بيان حقيقة الخمر لأنه قد ظهر في الناس من عهد بعيد مصداق ما ورد في الحديث من استحلال الناس لشرب الخمر بتسميتها بغير اسمها وقد اخترع الناس بعد زمن التنزيل أنواعا كثيرة من الخمور أشد من خمرة العنب ضررا في الجسم والعقل باتفاق الأطباء وأشد إيقاعا في العداوة والبغضاء وصدا عن ذكر الله وعن الصلاة . والقول بأنه لا يحرم منها قطعا إلا ما كان من عصير العنب وأنه إنما يحرم من غيرها القدر المسكر فقط يجرئ الناس على شرب القليل من تلك السموم المهلكة والقليل يدعو إلى الكثير فابلإدمان فالإهلاك وفي هذا القول مفسدة عظيمة وليس في تضغيفه وترجيح قول السلف والخلف عليه إلا المصلحة الراجحة وسد ذرائع شرور كثيرة اه .
هذا وإن حوادث العداوة والبغضاء التي تنشأ عن السكر ما يحدث بين السكارى من القتل و الضرب والعداوة والسلب والفسق والفحش والتجرؤ على ارتكاب المحرمات والإقدام على الزنا ومن إفشاء أسرار الأسر والعائلات وهتك الأستار المخبئة وخيانة الحكومات والأوطان - ما زالت حديث الناس في كل زمان ومكان وكثيرا ما يلجأ بعض الجواسيس إلى إسكار كبار القادة وعظماء الساسة لكي يسلب منه أسرار الجيوش وسياسة الشعوب . ورب جرعة خمر من رئيس أضاعت أمة بأجمعها وأهلكت شعبا بأكمله وكانت سببا في هزيمة جيش جرار . ولهذا شدد الدين الإسلامي في تحريم شرب الخمر وذكرها في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى وشدد رسول الله A في النهي عنها فقال صلوات الله وسلامه عليه : ( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الأخرة ) رواه البخاري وأصحاب السنن وزاد ااما مسلم في رواية ( فلم يسقها ) ومعناها أن الله حرم عليه الجنة فلا يدخلها فيشربها فيها وقيل معناه : لا يشربها فيها وإن مات مؤمنا ودخل الجنة لأنه استعجل شيئا فجزي بحرمانه إلا أن يعفو الله عنه .
وروى أحمد والبخاري وملسم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله A قال : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) قيل النفي لكمال الإيمان وقيل هو خبر بمعنى النهي وقيل : إن الإيمان يفاق مرتكب هذه الكبائر مدة ملابسته لها وقد يعود إليه بعدها . وإذا مات وهو مرتكبها مات على غير الإيمان .
ومن العجيب أننا نرى جميع المتعلمين مذنبا في العصر . وأكثر الناس في البلاد المتحضرة الراقية التي تنتشر فيها الجرائد والمجلات العلمية يعتقدون أن الخمر شديدة الضرر في الجسم والعقل والمال والصحة العامة وأداب الإجتماع ولم نر هذا الإعتقاد باعثا على التوبة منها والإقلاع عنها حتى أن الأطباء منهم - وهم أعلم الناس بمضارها - كثيرا ما يعاقرونها ويدمنونها مع علمهم أن السكر يحدث الأمراض والأدواء ويؤدي بصاحبه إلى الجنون ويفسد عليهم شبابهم وعفتهم وبيوتهم وثروتهم ولكن ضعف الإرادة عند هؤلاء وغريزة حب التقليد للأصحاب والخلان ما يحدثه الخمر من لذة النشوة والذهول عن المكدرات ومجاملة الأخوان جعلهم يدمنون عليه ويقدمون على شربه ويغضبون رب العالمين .
( وقد لخص العلماء أضرار الخمور فيما يأتي : ) .
أولا : تنتزع من الشارب الخمر أنواع الإيمان حين شربه .
ثانيا : استحق لعنة الله وطرده من رحمته لمخالفته أمره تعالى .
ثالثا : شرب الخمر يدعو إلى جلب الهموم وتضييق الأرزاق وإنتشار الأزمة والسخف والمسخ ويسبب التخنث .
رابعا : لا يقدم على شرب لاخمر إلا الفاجر العاصي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر .
خامسا : شرب الخمر يجر إلى الوقوع في ارتكاب المعاصي كلها لأنها أم الخبائث .
سادسا : يعذب الله شارب الخمر يوم القيامة بشربه القذارة الخارجة من فروج الزناة . - والعياذ بالله .
سابعا : حرم الله تعالى الجنة على شارب الخمر فلا يشم رائحتها .
ثامنا : عقاب شارب الخمر كعقاب عابد الوثن والصنم .
تاسعا : يحشر الله شارب الخمر شديد الظمأ كثير العطش .
عاشرا : لا يقبل الله عبادة شارب الخمر أربعين يوما ولا يجيب له دعاء .
الحادي عشر : يستحق شارب الخمر الإهانة والإزدراء والتحقير كما قال رسول الله A : ( لا تسموا على شربة الخمر ) .
الثاني عشر : شارب الخمر حل عليع غضب الله ولو مات في هذه الحالة حرم من ثواب الله تعالى ورحمته .
الثالث عشر : السكران إن مات على حالته يعذبه الله بسكره ويذوق مرارة فعله هذا في غيره . ويموت على غير ايمان .
الرابع عشر : شارب الخمر تنبع له عين في نار جهنم تمده باقيح والصديد وأنواع الأذى ( يجري منها القيح والدم ) .
الخامس عشر : شارب الخمر مسكين مضيع فاقد الخير ( فكأنما ملك الدنيا وسلبها ) .
السادس عشر : شرب الخمر إحدى الخصال المدمرة التالفة المذهبة للثروة المضيعة للعقل المهلكة للأمة .
السابع عشر : شرب الخمر يفسد الصحة ويحرم صاحبها من التمتع بعافيته ويجلب له النقم والهلاك والدمار .
الثامن عشر : إن أضرارها تنتقل من الرجل إلى أولاده وذريته فيولدون مرضى .
التاسع عشر : شارب الخمر لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ولا فرضا ولا نفلا .
العشرون : من فارق الدنيا وهو سكران يدخل القبر سكران ويبعث من قبره سكران ويزج في النار سكران ويؤمر به إلى حبل يقال له سكران فيه عين يجري منها القيح والصديد وهو طعامهم وشرابهم مادامت السموات والأرض كما أخبر بذلك رسول الله A في الحديث الشريف ( ملخص من شرح الترغيب والترهيب ) .
الآيات الواردة في تحريم الخمر في كتاب الله تعالى .
- 1 - قال الله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } : آية 219 من سورة البقرة .
( يتبع . . . )