- قد عرفت مما تقدم أن عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل تنقضي بوضع الحمل ولو بعد وفاته بلحظة باتفاق المذاهب وعرفت شروط انقضاء العدة بوضع الحمل وعرفت رأي المخالفين في بعض الصور ودليل كل والآن نذكر لك في عدة المتوفى عنها زوجها وهي حائل أي غير حامل وهي أربعة أشهر وعشر للحرة ونصفها وهي شهران وخمسة أيام للأمة لا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجة صغيرة أو كبيرة مدخولا بها . أو لا آيسة من المحيض . أو من ذوات الحيض ولانقضاء العدة المذكورة شروط مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يشترط لانقضاء العدة بمضي أربعة أشهر وعشر من وقت وفاة الزوج شروط : .
أحدها : أن الوفاة إذا وقعت في غرة الشهر أي وقت شروق هلاله فلا بد من انقضاء أربعة شهور هلالية وعشرة أيام بلياليها فلو مات بعد الفجر يحسب اليوم الذي مات فيه وتسعة أيام بعده فيكون عشرة أيام وتسع ليال فلا بد حينئذ من انقضاء الليلة العاشرة على المعتمد أما إذا توفي في أثناء الشهر فتحسب العدة بالأيام فلا تنقضي إلا بمرور مائة وثلاثين يوما بلياليها وقيل : إذا توفي في أثناء الشهر يحسب لها ما بقي من الشهر الذي مات فيه بالأيام أما الشهر الذي يليه فيحسب بالأهلة وكذا ما بعده ثم تكمل الأيام الناقصة من الشهر الخامس مضافة إلى العشرة أيام وقد تقدم لذلك إيضاح في مباحث الإيلاء ومبحث العنين .
ثانيها : أن يكون الزواج بصحيح العقد فإذا عقد عليها عقدا فاسدا ووطئها ثم مات عنها تعتد بثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض وإن كانت آيسة أو حاملا فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر أو وضع الحمل فعدة الموطوءة بعقد فاسد أو بشبهة إن كانت حرة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر إن كانت آيسة أو وضع الحمل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها فإن كانت أمة فعدتها حيضتان . أو شهر ونصف أو وضع الحمل .
ثالثها : أن يستمر النكاح صحيحيا إلى الموت فإذا فسد قبل الموت وجبت عليها عدة النكاح الفاسد مثلا إذا كان المكاتب متزوجا أمة مملوكة للغير ثم اشتراها ومات عنها فإن ترك ما لا يفي ما عليه من دين الكتابة وثمنها فإن العقد يفسد لأنه يكون كالحر في هذه الحالة والحر لا يصح له أن ينكح أمة بعقد الزواج وفي هذه الحالة تعتد عدة النكاح الفاسد وهو حيضتان إن كان قد وطئها وإلا فلا عدة لها أصلا لأن الفاسد لا عدة له أما إذا مات ولم يترك ما يفي بدينه فإن العقد يظل صحيحيا لأن الاثنين يكونان مملوكين فتعتد عدة الوفاة وهي شهران وخمسة أيام في حق الأمة .
رابعها : أن لا يطلقها طلاقا بائنا في المرض الذي مات فيه ويقال لهذا الطلاق : طلاق الفار وهو أن يطلق زوجته طلاقا بائنا في المرض الذي يموت فيه بدون رضاها ثم يموت قبل انقضاء عدتها وحكم هذا أن المرأة تعتد عدتين : عدة طلاق وعدة وفاة على أن تحسب لها ما يدخل في إحداهما مثلا إذا كانت من ذوات الحيض وحاضت بعد طلاقها ثم توفي فإن عدتها تبتدئ من وقت الوفاة بأربعة أشهر وعشر . بشرط أن تحيض ثلاث حيض من وقت الطلاق فتحسب لها الحيضة التي حاضتها قبل وفاته ولا بد لها من حيضتين في عدة الوفاة فإذا لم تحض في المدة فلا تنقضي عدتها حتى تحيض الحيضتين الباقيتين فإذا لم تحض لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن الإياس فإذا طلقها وهي من ذوات الحيض ولم تحض قبل وفاته ثم توفي اعتدت عدة وفاة فإذا رأت فيها ثلاث حيض فذاك وإلا كان عليها أن تنتظر حتى تحيض ثلاث حيض .
والحاصل أن عدتها تنقضي بأربعة أشهر وعشرة من وقت الوفاة . وثلاث حيض من وقت الطلاق فإن حاضت بعضها خارج المدة وبعضها في المدة حسبت لها كما إذا حاضتها كلها في المدة وإذا لم تحضها كلها في المدة ولا بعضها فإنه يلزمها أن تنتظر ثلاث حيض بعدها فإذا لم تحض فإن عدته لا تنقضي .
هذا ما يختص بالعدة . أما الميراث فإن حقها لا يسقط فيه فالزوجية باقية حكما في حق الإرث .
وقولنا : طلاقا بائنا خرج به ما إذا طلقها طلاقا رجعيا فإنه إن مات بعد انقضاء عدتها فقد انقطعت الزوجية بينهما وسقط حقها في الميراث ولا تعتد عدة وفاة وإن مات وهي في العدة فإنها تعتد عدة وفاة بلا كلام كما لو كانت زوجته . ولا فرق في هذه الحالة بين أن يطلقها في مرض الموت أو في حالة صحته ثم يموت قبل انقضاء عدتها لأنها زوجته وترث منه وقولنا : بدون رضاها خرج به ما إذا طلقها طلاقا بائنا برضاها فإنها تعتد عدة طلاق ولا يكون لها حق في الميراث وقولنا : في المرض الذي يموت فيه خرج به ما إذا طلقها في حال صحته طلاقا بائنا فإنها لا ترث ولا تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة .
واعلم أن عدة الوفاة تنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام في غير عدة الفار مطلقا سواء كانت المتوفى عنها من ذوات الحيض أو لا كما ذكرنا وسواء حاضت في العدة المذكورة أو لا . كما إذا كانت مرضعة وتأخر حيضها أو حاضت مرة في حياتها . وامتد طهرها إذ لا دخل للحيض في عدة الوفاة إلا إذا كانت حاملا فإنها لا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل كما تقدم .
المالكية - قالوا : يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل - بانقضاء أربعة أشهر وعشر - شروط : .
أحدها : أن يكون العقد صحيحا مجمعا على صحته أو مختلفا في صحته عند الأئمة كما إذا عقد عليها وهي محرمة بالنسك فإن العقد مختلف في صحته إذ الحنفية يقولون أنه صحيح أما إذا كان فاسدا فسادا مجمعا عليه . كنكاح الخامسة والمحرم فإن عدتها تكون كعدة المطلقة وهي ثلاثة أطهار إن كانت من ذوات الحيض وثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض فمن عقد على امرأة عقدا مجمعا على فساده ووطئها ثم مات عنها فإن عدتها تكون كعدة المطلقة وقد تقدم بيان الفاسد المجمع على فساده وغيره في صحيفة 120 إذا لم يدخل بها فإنه لا عدة عليها . ثانيها : أن يكون مسلما فإذا كان ذميا تحته ذمية مات عنها وأراد مسلم أن يتزوجها فإن عدتها تكون ثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض وثلاثة أطهار إن لم تكن وكذا إذا أراد أن يتزوج بها غير مسلم وترافعا إلينا لنقضي بينهما في ذلك . هذا إذا كانت مدخولا بها وإلا فلا عدة عليها أصلا .
ثالثها : أن تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها .
رابعها : أن لا يطلقها طلاقا بائنا ثم يموت عنها وهي في العدة فإن حدث ذلك فإنها لا تنتقل عدتها إلى الوفاة بل تعتد عدة الطلاق وتستمر على عدتها وهذا بخلاف المطلقة رجعيا فإنه إذا مات عنها وهي في العدة فإن عدتها تنتقل إلى عدة الوفاة بحيث يلزمها أن تتربص أربعة شهور وعشرا من وقت وفاته ولو حصلت الوفاة قبل تمام الطهر الثالث بيوم وإن كانت أمة تنتقل عدتها إلى الوفاة على النصف من الحرة .
خامسها : يشترط في المدخول بها أن تنتقضي مدة أربعة أشهر وعشر قبل أن يأتيها زمن حيضها وأن تقول النساء : إنه لا ريبة في براءة رحمها من الحمل . ومعنى ذلك أنها إذا كانت مرضعة مثلا وتوفي عنها زوجها ومن عادتها أن لا تحيض في مدة الرضاع وانقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل حلول موعد حيضها فإن عدتها تنقضي إذا قالت النساء : إنها لا ريبة حمل بها ومثل ذلك ما إذا كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة وتوفي في أول طهرها فإنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام طاهرة قبل أن يأتي زمن حيضها وفي هذه الحالة تنقضي عدتها إذا قالت النساء أنه لا ريبة بها أما إذا ارتابت في حملها النساء أو ارتابت هي فإنها يجب عليها أن تنتظر تسعة أشهر فإن زالت ريبة الحمل فذاك وإلا انتظر حتى تحيض أو يمضي عليها أقصى مدة الحمل وهي خمس سنين على الراجح . وقيل : أربع سنين وقيل غير ذلك فإن كانت تحيض في أثناء المدة وحاضت فإن عدتها تنقضي بالمدة وإن لم تحض فإن تأخرت عادتها فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض فإذا حاضت انقضت عدتها وإن لم تحض تنتظر الحيض إلى تسعة أشهر فإن انقضت تسعة أشهر وارتابت في حملها أو ارتاب النساء فيه فإنها تنتظر حتى تزول الريبة أو يمضي أقصى زمن الحمل المذكور .
ولا يخفى أن نظرية المالكية في اعتمادهم على قرار النساء خصوصا الخبيرات يرفع الإشكال في زماننا بتاتا لأن الطبيبات المتعلمات يمكنهن الحكم بوجود الحمل وعدمه جزما بدون انتظار زائد على أربعة أشهر وعشر .
والحاصل أن المدخول بها إن توفي عنها زوجها فإنه ينظر أولا لعادتها في الحيض فإن كانت لا تأتيها الحيضة في مدة أربعة أشهر وعشرة أيام بأن كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة وتوفي زوجها وهي في أول طهر انقضت عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام بشرط أن لا ترتاب في براءة رحمها بأن تشعر بحمل أو ترتاب النساء التي تراها فإن ارتابت فإن عدتها لا تنقضي بل تنتظر على الوجه الذي تقدم أما إن كانت تأتيها الحيضة في أثناء أربعة أشهر وعشرة أيام فإن حاضت فيها ولو مرة فإن عدتها تنقضي بانقضاء مدة أربعة أشهر وعشرا وإن لم تحض لسبب مجهول أو لمرض على الراجح فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض وإلا انتظرت تسعة أشهر فإن لم تحض وارتابت في الحمل أو ارتاب النساء انتظرت حتى تزول الريبة . أو تمضي خمس سنين وهي أقصى مدة الحمل .
الشافعية - قالوا : يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها غير الحامل بالأشهر المذكورة شروط : .
أحدها : أن لا يطلقها طلاقا بائنا . فإن طلقها طلاقا بائنا وتوفي عنها وهي في العدة فإنها تستمر على عدتها للطلاق ولا تنتقل إلى عدة الوفاة فإذا كانت حاملا وكان طلاقها بائنا استمرت نفقة عدتها إلى أن تضع الحمل بخلاف ما إذا طلقها طلاقا رجعيا . وتوفي عنها وهي في العدة فإن عدتها تنتقل من الطلاق إلى عدة الوفاة وتسقط بقية عدة الطلاق كما تسقط نفقتها وذلك لأن العدة التي استحقت عليها النفقة بطلت وانتقلت إلى عدة جديدة ولذا يجب عليها الإحداد وهو ترك الزينة بخلاف المطلقة طلاقا بائنا فإنه لا يجب عليها لما علمت أنها باقية على عدتها الأولى فلم تنتقل إلى عدة الوفاة .
ثانيها : أن لا ترتاب في براءة رحمها من الحمل فإن ارتابت أي شكت في وجود حمل لثقل أو لحركة في بطنها فلا يخلو إما أن تحدث لها الريبة قبل انقضاء العدة أو بعدها فإذا حدثت لها قبل انقضائها فإنه يجب عليها أن تنتظر حتى تزول الريبة بحيث لو انقضت عدتها وتزوجت غير زوجها المتوفى وقع النكاح باطلا حتى ولو تبين أنها غير حامل في الواقع فعليها تجديد عقد وبعضهم يقول : إن النكاح الأول يبقى على حاله لأن الواقع دل على أنه صحيح فإذا استمرت مع الزوج الثاني على النكاح الباطل فولدت لأكثر من ستة أشهر لحق الولد به وإن أمكن كونه من الأول بأن ولدته لأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها لأنها في هذه الحالة تكون قد ولدته لأقل مدة الحمل فيمكن نسبته للأول أما إن ولدت لأقل من ستة أشهر فإن الولد يلحق بالأول وإن أمكن نسبته إلى الثاني بأن ولدته لأكثر من أربع سنين أما إذا حدثت لها الريبة بعد انقضاء عدتها فإنه يسن لها أن تصبر على الزواج حتى تزول الريبة فإذا خالفت السنة وتزوجت بآخر لم يبطل النكاح لانقضاء العدة ظاهرا إلا إذا قامت قرينة قاطعة على بطلانه بأن تلد لأقل من ستة أشهر من إمكان علوق الولد بعد العقد بأن يتمكن الزوج الأول من وطئها وإحبالها فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من ذلك التاريخ فإنه يتبين بذلك بطلان العقد الثاني وأن عدتها من الأول لم تنقض ويلحق نسب الولد للأول إذا أمكن نسبته إليه بحيث لا تلده لأقل من أربع سنين وهي أكثر مدة الحمل أما إذا ولدته لأكثر من أربع سنين فإنه لا يمكن إلحاقه به كما تقدم أما إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر فإن العقد الثاني يكون صحيحا ويكون الولد للثاني ولم يذكر الشافعية هنا ما إذا أمكن إزالة الريبة بالوسائل الطبية ومعرفة النساء الخبيرات ولكنهم قالوا : إنه يعمل برأي القابلة في الاخبار عن السقط بأنه لحم إنسان فقالوا : إذا أخبرت بذلك أربع قابلات - أي مولدا - فإن لها أن تتزوج ظاهرا وباطنا ويقوم مقام القوابل الأربع رجلان خبيران وإذا أخبرت قابلة واحدة فإنها يصح لها أن تتزوج باطنا وعلى هذا فمبدأ الاعتماد على المرأة الخبيرة معتبر عند الشافعية والغرض واحد وهو التحقق من براءة الرحم فيصح حينئذ أن تعرض المرأة المرتابة نفسها على الطبيبات الخبيرات عند الريبة لتتحقق من عدم الحمل وتستريح من هذا العناء .
واعلم أن هذا الشرط ليس خاصا بانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بل يتناول عدة المطلقة أيضا والمفسوخ نكاحها .
( يتبع . . . )