( تابع . . . 2 ) : - للإيلاء حكمان : حكم أخروي وهو الإثم إن لم يفئ إليها وحكم دنيوي .
الشافعية - قالوا : قد ذكرنا في التعريف أن الإيلاء لا يتحقق إلا بأحد أمور ثلاثة : الأول : الحلف بالله أو صفه من صفاته . الثاني : تعليق الطلاق أو العتق ونحوه على الوطء الثالث : التزام ما يصح التزامه من نذر فأما الأول فحكمه أنه إذا حلف بالله أو صفه من صفاته ووطئها لزمته كفارة اليمين وسقط الإيلاء وأما الثاني فإنه إذا علق الطلاق أو العتق على الوطء بأن قال : إن وطئتك فأنت طالق . أو إن وطئتك فعبدي فلان حر ثم وطها وقع الطلاق وعتق العبد وذلك لأنه قد علق الطلاق أو العتق على وطئها فالوطء معلق عليه والطلاق أو العتق معلق ومتى وقع المعلق عليه وقع المعلق فإذا قال : إن وطئتك فعبدي فلان حر ثم مات أو باعه أو وهبه لغيره ووطئها فلا شيء عليه لانحلال الإيلاء بزوال ملك العبد . فإن عاد إلى ملكه ثانيا لم يعد الإيلاء وأما الثالث فإنه يكون مخيرا بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين . فإن قال لها : إن وطئتك فلله علي حج أو صدقة أو صلاة أو صوم أو عتق ثم وطئها كان بالخيار بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين .
ومما ينبغي التنبه له أن هناك فرقا بين التعليق الصرف وبين التزام النذر فلأول ما تقدم في قوله : إن وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أما هنا فقد علق النذر وإذا كان بالرجل أو بالمرأة مرض وقال لها : إن وطئتك فلله علي صلاة أو صيام يريد بذلك إن شفاني الله وقدرت على وطئتك صليت له أو صمت له لم يكن ذلك إيلاء بل كان نذرا يلزمه أداؤه بوطئها وإذا قال لها : إن وطئتك فعلي صوم شهر شعبان مثلا ومضى شهر شعبان قبل حلول مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر سقط الإيلاء ولا يلزمه شيء بوطئها .
فهذا هو حكم الإيلاء في حال ما إذا وطئ زوجته أما إذا أصر على حلفه ولم يطأها فإنها يجب عليها أن تصبر له مدة أربعة أشهر ولحظة ولو كانت هذه اللحظة يسيرة لا تسع رفع الأمر للقاضي سواء كان الزوج حرا أو عبدا فإذا انقضت هذه المدة وأصر على عدم الوطء كان لها الحق في رفع الأمر إلى القاضي مطالبة له بالرجوع إلى الوطء والقاضي يأمره بالرجوع بدون مهلة إلا إذا طلب مهلة يتمكن فيها من الوطء كما إذا كان لا يقدر على الوطء لجوع أو شبع وطلب مهلة يأكل فيها أو يهضم فإنه يجاب إلى ذلك . وكذا إذا كان صائما رمضان وطلب مهلة حتى يفرغ النهار فإنه يجاب إلى ذلك فإن رجع ووفى بوطئها سقط الإيلاء ولزمه ما تقدم من كفارة ونحوها : وإن لم يوف وأصر على عدم وطئها طلق عليه القاضي وصورة طلاق القاضي أن يقول : أوقعت على فلانة طلقة عن فلان . أو طلقت فلانة عن فلان . أو يقول لها : أنت طالق عن فلان فإذا قال : أوقعت طلاق فلانة أو طلقت فلانة أو أنت طالق . ولم يقل : عن فلان فإن طلاقه لا يقع لأن القاضي إنما يطلق عن الزوج فإذا لم يذكر كلمة - عن - فلا يصح بل لا بد أن يقول : طلقت عن فلان أو أوقعت عن فلان أو حكمت بطلاقها عن فلان . ومتى أمكن حضور الزوج أمام القاضي كان حضوره لازما فإذا شهد عدلان في غيبته بأنه آلى وأنه ممتنع بعد مضي المدة وطلق عنه القاضي فإن طلاقه لا يصح نعم إذا تعذر حضوره فإن طلاق القاضي يصح في غيبته ثم إن طلاق القاضي يكون رجعيا بحيث لو زاد على واحدة رجعية لم تقع فإذا كانت مدخولا بها أو لم تكن طلقت من قبل ثنتين فلا يلزمه إلا واحدة رجعية وإلا بأن كانت غير مدخول بها كانت الطلقة بائنة كما لو طلقها زوجها لأن غير المدخول بها لا عدة لها فطلاقها الرجعي بائن وكذا إذا كانت مدخولا بها ولكن لم يبق لها سوى طلقة فإنها تبين بها وهذا هو ظاهر .
وإذا طلق القاضي في غيبته ولم يعلم بالطلاق وطلقها هو وقع طلاقه وطلاق القاضي وكذا لو طلقها معا في آن واحد أما إذا طلق الزوج أولا ثم طلق القاضي بعده فإن طلاق القاضي لا يقع وكذا إذا ثبت أنه وطئها قبل أن يطلق عليه القاضي فإن طلاق القاضي لا يقع .
والوطء الذي تحصل به الفيئة بالنسبة إلى الثيب إيلاج الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج الزوجة وبالنسبة إلى البكر إزالة بكارتها ويشترط له ثلاثة شروط : .
الشرط الأول : أن يكون في القبل لا في الدبر فإذا أولج في دبر الزوجة فإن الفيئة الشرعية لا تحصل نعم تنحل اليمين ويلزمه الكفارة ونحوها بهذا الفعل وتسقط مطالبة المرأة بالوطء متى مكنته من ذلك ولكن لا يرتفع عنه إثم الإيلاء إلا بالوطء في القبل . فها هنا ثلاثة أمور : الأول : الفيئة الشرعية أي الرجوع إلى وطء زوجته وطئا يرفع عنها الضرر ويرفع عنه الإثم وهذا لا يتحقق إلا بالوطء في القبل أي إيلاج الحشفة أو افتضاض البكر . الثاني : انحلال اليمين ولزوم الكفارة وهذا يحصل بالوطء في الدبر ما لم يكن مقيدا بالوطء في القبل بأن قال : والله لا أطؤك في قبلك فإنه في هذه الحالة إذا وطئها في الدبر لا يحنث ولا تلزمه الكفارة . الثالث : مطالبة الزوجة بالوطء أو الطلاق وهذا يسقط بالإيلاج في الدبر فقولهم : إن الفيئة لا تحصل بالوطء في الدبر لا يلزم منه عدم الحنث وسقوط حق المرأة في المطالبة فإنك قد عرفت أن الفيئة الشرعية لا تتحقق ومع ذلك يحنث في يمينه وتسقط مطالبتها فلا منافاة على التحقيق وبعضهم يقول : إن اليمين لا تنحل بالوطء في الدبر فلو قال : والله لا أطؤك ثم وطئها في الدبر لا يلزمه الكفارة وهذا غير ظاهر لأن الإتيان في الدبر وطء كما لا يخفى .
الشرط الثاني : أن يكون مختارا فلا تحصل الفيئة بالإكراه فإذا أكره على وطء زوجته بالضرب ونحوه فإن الفيئة الشرعية لا تحصل بذلك الوطء ولا يقع عنه الإثم به ولكن يسقط حقها في المطالبة بلا كلام ولا ينحل اليمين على التحقيق فلا تلزمه الكفارة بهذا الفعل لأنه يعتبر كالعدم فالوطء بالإكراه لا يترتب عليه إلا سقوط حقه في المطالبة فقط .
الشرط الثالث : أن لا يكون ناسيا فإذا وطئها ناسيا سقط حقها ولا تلزمه كفارة ولا يرتفع عنه الاثم كما في المكره .
فتحصل أن الفيئة الشرعية التي يرتفع بها الإثم والضرر وتوجب الكفارة ونحوها من طلاق وعتق ونذر وتسقط بها مطالبة المرأة باتفاق هي التي تكون في القبل حال الاختيار والعمد أما الوطء في الدبر فتسقط به المطالبة ويوجب الكفارة ونحوها ولا يرتفع به الاثم والوطء حال الإكراه والنسيان فلا يرتفع به الإثم ولا يوجب الكفارة ولكن تسقط به مطالبة المرأة .
هذا ويسقط حقها في المطالبة أيضا إذا كان بها مانع يمنع من الوطء حتى يزول ذلك المانع كما إذا كانت حائضا أو نفساء أو كانت مريضة أو صغيرة لا تطيق الوطء وإن كان المانع قائما بالزوج فلا يخلو إما أن يكون طبيعيا كالمرض الذي يرجى برؤه وإما أن يكون شرعيا فإن كان طبيعيا كما إذا كان مريضا لا يستطيع الوطء فإن فيئته تكون بالوعد كأن يقول لها إذا قدرت وطئتك وإن كان شرعيا كما إذا كان محرما للنسك فإن كان قد قرب من التحلل بحيث لم يبق عليه سوى ثلاثة أيام فأقل فإنه يمهل حتى يتحلل وإن كان أكثر فإنه لا يمهل ولها المطالبة بالطلاق كذا إذا كان المانع صيام فرض فإن لها أن تطالب بالطلاق ولا يمنعه صيامه من المطالبة لما عرفت من أنه إذا طلب مهلة للفيء بإزالة الجوع والشبع وفراغ الصوم ونحو ذلك فإنه يجاب إلى طلبه فإذا وعد بالرجوع بعد فراغ الصوم فإنه يصح وتحسب المدة من تاريخ الإيلاء بشروط ثلاثة : .
الأول : أن يرتد أحدهما فإن آلى من زوجته ثم ارتد هو أو هي فلا يخلو إما أن تكون الزوجة مدخولا بها - والمراد بالدخول الوطء ولو في الدبر - أو تكون غير مدخول بها فإن كانت غير مدخول بها انقطع النكاح بينهما بمجرد الردة فلا إيلاء بينهما وإن كانت مدخولا بها فإن النكاح بينهما لم ينقطع . بل يوقف حتى إذا أسلم المرتد منهما قبل انقضاء العدة عاد النكاح فيعتبر الإيلاء منها في هذه الحالة فإذا فرض وكان الزوج المولي هو المرتد ثم أسلم قبل انقضاء عدة زوجته عاد النكاح بينهما لأن لا تبين منه إلا إذا انقضت عدتها فلا ينقطع النكاح بينهما وفي هذه الحالة لا يحسب شيء في زمن الردة من مدة الإيلاء قليلا كان أو كثيرا حتى ولو مضت كلها فإذا كانت زوجته حاملا وآلى منها ثم ارتد ومكث أربعة أشهر ولحظة وهو مرتد ثم تاب قبل أن تضع الحمل عاد النكاح بينهما وبقي الإيلاء ولكن تلغى المدة التي كان فيها مرتدا وهي الأربعة أشهر ولحظة كلها وتستأنف مدة جديدة من وقت توبته لأن الردة أحدثت خللا في النكاح .
الثاني : أن لا يقوم بالزوجة مانع من الوطء سواء كان حسيا كمرض وصغر وجنون . أو كان شرعيا كنشوز وصيام فرض وإحرام وليس من المانع الشرعي الحيض لأن المدة لا تخلو عنه ويلحق به النفاس أيضا فلا يعتبر مانعا فإذا قام بالزوجة مانع حسي أو شرعي غير الحيض والنفاس فإنه يقطع المدة الماضية وتحسب المدة من وقت زواله فإذا آلى منها ومضى شهر مثلا ثم مرضت مرضا لا تستطيع معه الوطء ألغي ذلك الشهر مع مدة مرضها وتحسب المدة من ابتداء شفائها أما إذا آلى منها وانقضت مدة الإيلاء كلها ثم مرضت عقبها مباشرة بدون أن ترفع أمرها للقاضي فإن المرض لا يلغي المدة كلها بخلاف الردة فإنها تلغي المدة كلها .
هذا ولا يعتبر المانع الشرعي إذا كان من قبل الزوج كما تقدم وكذلك المانع الطبيعي إلا أن فيئته تكون بالوعد وإذا كانت الزوجة صائمة صيام نفل أو محرمة إحرام عمرة فإنه لا يكون مانعا لأن للزوج إبطال نفلها بالوطء .
الثالث : أن يكون موليا من مطلقة طلاقا رجعيا فإذا آلى من مطلقته طلاقا رجعيا فإن مدة الإيلاء تحسب من وقت رجعتها لا من وقت حلف اليمين وذلك لأنه قبل رجعتها لا يحل له وطؤها فلا يعتبر موليا منها إلا من حين رجعتها التي تجيز له وطؤها .
الحنابلة - قالوا : حكم الإيلاء هو أنه حلف بالله أو بصفة من صفاته على أن لا يطأها ثم وطئها فإنه يحنث في يمينه ولزمته الكفارة وإلا انتظرت أربعة أشهر فإن لم يطأها بعد مضي الأربعة أشهر كان لها الحق في رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بالفيئة - بكسر الفاء - وهي الجماع وسمي الجماع فيئة لأنه رجوع إلى فعل تركه بالحلف مأخوذ من الفيء وهو الظل بعد الزوال وسمي الظل فيئا لأنه رجع من المغرب إلى المشرق فإن أبى أن يجامعها أمره الحاكم بالطلاق فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه واحدة أو اثنين أو ثلاثا لأن الحاكم قائم مقام الزوج في هذه الحالة فهو يملك الطلقات الثلاث إلا أن إيقاع الثلاث بكلمات واحدة حرام فلا يحل للحاكم أن يفعله كما لا يحل للرجل وإذا قال الحاكم : فسخت نكاحها فإنه يصح ويكون ذلك فسخا لا طلاقا ومثل ذلك ما إذا قال : فرقت بينكما وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق إلا إذا طلبت المرأة منه ذلك فإذا قالت له : مره بطلاقي أمره ثم إن أمره ولم يطلق فليس للحاكم أن يطلق إلا إذا قالت له الزوجة : طلقني وإذا طلق الزوج أو الحاكم المدخول بها طلقة واحدة رجعية كان للزوج الحق في رجعتها ما دامت في العدة .
وأقل الوطء الذي تتحقق به الفيئة هو أن يولج حشفة ذكره كلها أو قدرها إذا لم تكن له حشفة في قبل المرأة لا في دبرها ولا يشترط أن يكون عاقلا عامدا مختارا فلو أكره على ذلك أو كان ناسيا أو نائما وأدخلت ذكره أو كان مجنونا وأولج فيها فإن حقها في المطالبة يسقط بحيث لو لم يطأها بعد ذلك ومضت مدة الإيلاء لم يكن لها الحق في المطالبة بالطلاق ولكن لا تحنث بهذا فلا كفارة عليه لأن فعل المكروه والناسي والمجنون كالعدم بالنسبة للحنث وإذا أولج في دبرها فإن مطالبتها لا تسقط به ولا تجب به الكفارة لأن حد الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء في القبل خاصة والرجوع عن ذلك لا يتحقق إلا بالوطء فيه . فإذا وطئها في القبل وكانت حائضا أو نفساء أو كانت صائمة صيام الفرض فقد انحلت يمينه وسقط حقها في المطالبة . وإن كان آثما فإذا جامعها كرها جماعا محرما لم يسقط حقها وإذا مضت المدة وأعفته من الشكاية للحاكم سقط حقها لأنها تملكه وقد أعفته عنه فإن كان المولي معذورا بعد مضي المدة بأن كان مريضا أو مسجونا فإن فيئته تكون بالوعد كأن يقول : إني أطؤها متى قدرت وإذا ادعت انقضاء المدة وادعى عدم انقضائها سمع قوله بيمينه فإذا نكل عن اليمين فلا يقضي عليه وإن ادعى أنه أصابها وأنكرت فإن كانت ثيبا فالقول قوله بيمينه وإن كانت بكرا فإن شهدت امرأة خبيرة بإزالة بكارتها فالقول قول الزوج بيمينه لأن البينة عضدته وإلا فالقول قولها بيمينها إذ لو وطئها لزالت بكارتها وإذا لم تشهد بينة بإزالة البكارة وعدمها فالقول قوله بيمينه .
هذا إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته أما إذا علق الطلاق أو العتق على وطئها أو التزم بنذر فإنه لا يكون موليا كما عرفت ولكنه إن وطئها بأن أولج الحشفة في داخل القبل وقع عليه الطلاق ولزمه العتق والنذر كالحلف بذلك على ترك الأكل والشرب وإن لم يطأها وأصر على تنفيذ يمينه كان لها الحق في رفع أمره إلى الحاكم ليطلب منه تطليقها أو يطلقها هو عليه ولكن لا يكون طلاقها من أجل الإيلاء بل لرفع الضرر عن الزوجة كما تقدم . وتحسب المدة وقت الإيلاء بشرطين : .
( يتبع . . . )