هذا إذا لم يكن مقيدا أما إذا كان مقيدا بمدة كما لو حلف لا يقربها أربعة أشهر وانقضت وهي معذورة فإنها لا تبين منه وإذا وطئها لا يلزمه شيء لانحلال اليمين بمضي المدة بخلاف ما إذا كانت باليمين مطلقة أو مؤبدة فإنه إذا وطئها لزمه كفارتها أو جزاؤها ومثل ذلك ما إذا كان المانع قائما بالزوج كما إذا عرضت له عنة أو كان محبوسا في محل لا يمكنها الوصول إليه فيه أو كان مسافرا وبينهما مسافة لا يمكن قطعها في مدة أربعة أشهر أو نحو ذلك فإن فيئته تكون باللسان أيضا ولكن يشترط في الحبس أن يكون بغير حق فإن كان محبوسا بحق فإنه لا يكفي منه بفيئة اللسان بل تبين منه بانقضاء المدة وإذا كان مريضا مرضا يرجى زواله ولكنه يمنعه عن الوطء عند انقضاء المدة فإن فيئته تكون باللسان بثلاثة شروط : .
الشرط الأول : أن تبقى الزوجية قائمة بينهما إلى وقت الفيئة فلو مضت أربعة أشهر كاملة ولم يقل : فئت إليها ونحوه فإنها تبين منه فإذا قال بعد ذلك فلا ينفع فلو تزوجها ثانيا بعقد جديد وهو مريض عاد الإيلاء بحيث لو لم يطأها حتى مضت المدة بانت منه ثانيا .
وقد عرفت أنه إذا قدر على وطئها لزمته الكفارة أو الجزاء على أي حال وهذا بخلاف ما إذا كان صحيحا وآلى من زوجته ومضت مدة أربعة فبانت منه ثم وطئها بعد بينونتها فإن الإيلاء يسقط وتلزمه الكفارة أو الجزاء فإذا عقد عليها بعد ذلك لا يكون موليا منها بحيث لو لم يجامعها حتى مضت أربعة أشهر لا تبين منه .
الشرط الثاني : أن يكون مرض موجبا لعجزه عن الجماع .
الشرط الثالث : أن يدوم عجزه هذه المدة بحيث يحلف وهو مريض عاجز عن الجماع ويستمر عجزه . أما إذا حلف أن لا يطأها وهو صحيح وبقي صحيحا مدة يمكنه أن يجامع فيها ثم مرض واستمر عاجزا عن الجماع أربعة أشهر ولم يطأها فإنها تبين منه ولا تنفعه الفيئة باللسان لأن الشرط أن يستمر عجزه كل مدة الإيلاء بحيث لا يبرأ وقتا يستطيع فيه وطؤها فإذا آلى وهو مريض ثم مرضت هي أيضا بعد مرضه ولكنه برئ قبل مضي المدة واستمرت هي مريضة إلى انقضاء المدة فقيل : إنها تبين منه ولا تنفعه الفيئة باللسان وذلك لأن مرضه هو سبب في الترخيص له بالفيئة اللسانية ومرضها هي سبب آخر والقاعدة أن سبب الرخصة إذا تعدد في زمن آخر عمل بالأول وألغي الثاني وقد عرفت أنه مرض أولا ثم مرضت هي ثانيا فسبب هو مرضه أما مرضها فقد ألغي حيث برئ فإن سبب رخصته قد زال وبعضهم يقول : إن فيئته تكون باللسان في هذه الحالة لأن مرض زوجته مانع على أن هذا فيما إذا حصل السببان في زمن واحد أما إذا حصلا في زمنين مختلفين فإنه يعمل بهما مثلا إذا قال لها : والله لا أطؤك أبدا وهو مريض ثم مضت مدة الإيلاء فبانت منه ثم صح وتزوجها ثانيا فإن الإيلاء يعود . كما عرفت فإذا مرض ثانيا ففيئته باللسان ولا تعتبر الصحة في هذه الحالة وسبب الرخصة وهو مرضه قد تعدد في زمنين لا في زمن واحد فالسبب الثاني قد جاء بعد زوال الزمن الأول فلم يلغ الثاني وهذا هو المعتمد .
فإذا قام بالزوجة أو الزوج مانع شرعي كما إذا كانت حائضا أو كان أحدهما متلبسا بالإحرام وكان بينه وبين التحلل مدة تزيد على أربعة أشهر أو نحو ذلك فإن الفيئة لا تكون إلا بالجماع أما الفيئة باللسان فإنها لا تنفع وذلك لأن الوطء ممكن غايته أنه معصية وحيث أنه قد حلف وعصى الله من الأصل فاليحتمل جزاء إثمه فإذا وطئها في هذه الحالة فقد عصى وإذا تركها فقد بانت منه . فهو على أي الحالتين خاسر .
ومن هذا تعلم أنه إذا وطئها وهي حائض أو نفساء فإنه يأثم ولكن الإيلاء يسقط بذلك وتجب الكفارة أو الجزاء .
هذا وإذا آلى من زوجته ثم ارتد ولحق بدار الحرب بانت منه وسقط الإيلاء لأن ملكه زال بلحوقه بدار الحرب مرتدا وبطل الإيلاء على الصحيح وقيل : لا يبطل بحيث لو أسلم وتزوجها ثانيا رجع الإيلاء والصحيح أنه لا يرجع .
المالكية - قالوا : إذا حلف أن لا يقرب زوجته على التفصيل المتقدم ثم وطئها قبل مضي أربعة أشهر انحل الإيلاء ولزمه اليمين فإن كان يمينا بالله لزمته الكفارة وإن كان طلاقا وقع الطلاق وإن كان عتقا لزمه الخ فإن لم يطأها تنتظر له أربعة أشهر ويوما لأن مدة الإيلاء لا بد أن تزيد على أربعة أشهر ثم يكون لها الحق في أن ترفع أمرها إلى الحاكم ولو كانت صغيرة بشرط أن تكون صالحة للوطء فإن كانت مريضة أو بها علة تمنع الوطء من العلل المتقدمة في عيوب النساء فإنه لا يكون لها الحق في الشكوى للحاكم وإن كانت أمة يكون لها الحق في الشكوى لسيدها وعلى الحاكم أن يأمره بالفيئة وهي تغييب الحشفة كلها في القبل وإن كانت بكرا فلا فيء إلا بإزالة البكارة فمتى فعل ذلك معها انحل الإيلاء وحنث فإن أمره الحاكم بالرجوع وامتنع أمره بأن يطلقها فإن امتنع طلق عليه الحاكم طلقة واحدة رجعية وقيل : لا يطلق الحاكم بل يأمر الحاكم الزوجة أن تطلق نفسها ثم يحكم به بمعنى أنه يسجله كما تقدم في مسألة العنين وقد تقدم توضيح ذلك في صحيفة 166 ، فارجع إليه فإن لم يوجد حاكم فإنه تطلق عليه جماعة المسلمين ومتى صرح بالامتناع فإنه لا ينتظر مدة أخرى أما إذا لم يمتنع بأن وعد بالوطء فإن وفى بالوعد فذاك وإلا فيؤمر به مرة أخرى فإن امتنع طلق عليه وإن وعد ترك ليفي بوعده وهكذا إلى ثلاث مرات بشرط أن تكون الثلاث مرات في يوم واحد ثم يؤمر بالطلاق وإلا طلق القاضي عليه أمرها بأن تطلق نفسها على القولين المذكورين فإن ادعى الوطء وأنكرت كان القول له بيمينه فإن حلف بقيت زوجة . وإن نكل حلفت هي فإن حلفت بقي لها حقها المذكور وإن نكلت بقيت زوجة وانحل الإيلاء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بكرا أو ثيبا .
وإذا آلى منها وهو مريض ثم مضت مدة الإيلاء وهو عاجز عن وطئها أو آلى منها ثم مضت مدة الإيلاء وهو محبوس لا يستطيع تخليص نفسه فإن لذلك حالتين : .
الحالة الأولى : أن تكون يمينه قابلة للانحلال قبل الحنث وهي اليمين بالله والنذر المبهم الذي مخرجه كفارة اليمين فيصح فيهما التكفير قبل الحنث فإذا قال : والله لا أطؤك ومضت أربعة شهور ويوم فإن لها الحق في مطالبته بأن يكفر عن يمينه فإن أبى كان لها الحق في الطلاق على الوجه المتقدم وكذا إذا قال : علي نذر إن وطئتك فإن هذا نذر مبهم مخرجه كفارة اليمين فإذا انقضت مدة الإيلاء وهو مريض فلها الحق في مطالبته بإخراج كفارة يمين وينحل الإيلاء بإخراج الكفارة في الحالتين . ومثل المريض العاجز عن الوطء المحبوس الذي لا يستطيع الخلاص أما المريض القادر على الوطء والمحبوس القادر على الخلاص فإن فيئتهما بإيلاج الحشفة في قبل المرأة ويلحق بذلك ما إذا انحلت اليمين وهو عاجز عن الوطء وتنحل اليمين بأمور : .
منها ما إذا علق وطؤها على عتق عبده ثم زال ملكه منه فإذا قال لها : إن وطئتك فعبدي هذا حر فإنه يكون موليا من وقت حلفه فإذا وطئها عتق عليه العبد وإن امتنع عنها ثم زال ملكه عن العبد بأن باعه أو مات العبد أو وهبه لغيره أو تصدق به فإن الإيلاء ينحل وله وطء زوجته بدون أن يكون ليه شيء فإذا امتنع عن وطئها وهو قادر كان ذلك إضرارا بها فإذا لم ترض به كان لها الحق في المطالبة بالطلاق على الوجه السابق للاضرار بها أما إذا كان مريضا أو محبوسا فإن اليمين تنحل بمجرد أن يزول ملكه عن العبد المعلق عليه وليس لها الحق في مطالبته بالوطء إلا عند القدرة لأن امتناعه في هذه الحالة يكون لعذر فلا مضاررة به فإذا عاد العبد إلى ملكه بغير إرث كأن اشتراه ثانيا : أو وهبه له من اشتراه منه فإن الإيلاء يعود إذا كان غير مقيد بوقت . وكان مقيدا بوقت بقي منه أكثر من أربعة أشهر مثلا إذا قال لها إن وطئتك فعبدي حر ثم باع العبد انحلت اليمين وله وطؤها فإذا اشترى العبد ثانيا كان موليا بحيث لو وطئها عتق العبد عليه وإن امتنع فعلى معه ما تقدم وإذا قال لها إن وطئتك في مدة سنة فعبدي حر ثم باع العبد انحلت اليمين فإذا اشتراه ثانيا أو وهب له فإن كان ذلك بعد مضي سبعة أشهر من تاريخ اليمين عاد الإيلاء ثانيا لأنه قد بقي من السنة أشهر وهي أكثر من مدة الإيلاء وإن كان بعد مضي ثمانية أشهر فإن الإيلاء لا يعود لأن المدة الباقية أقل من مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر ويوم فإذا عاد إليه العبد بإرث فإن الإيلاء لا يعود على أي حال لأنه دخل في ملكه بطريق جبري لا اختيار له فيه .
ومنها ما إذا علق طلاق زوجته فاطمة على وطء ضرتها كما إذا قال : إن وطئتك فضرتك هند طالق ثم امتنع عن وطئها مخافة أن تطلق ضرتها ففي هذه الحالة يكون موليا من زوجته فاطمة فإذا طلق هندا الضرة طلاقا بائنا بغير الثلاث انحل الإيلاء . وله وطء زوجته فاطمة كما يشاء فإذا رجعت إليه هند ثانيا بعقد جديد عاد الإيلاء من فاطمة ثانيا إلا إذا كان الإيلاء مؤقتا بوقت وانقضت قبل عودتها أما إذا طلق هندا طلاقا ثم تزوجت بغيره وطلقت ورجعت إليه ثانيا فإن الإيلاء لا يعود .
هذا إذا طلق هندا المحلوف بطلاقها أما إذا طلق فاطمة المحلوف على وطئها ففي حكمها خلاف فبعضهم يقول : إن حكمها كحكم هند وإذا طلقها ثلاثا وتزوجت بغيره وعادت إليه انحل الإيلاء وله وطؤها كما يشاء وبعضهم يقول : إذا عادت لزوجها الأول بعد تطليقها ثلاثا يعود الإيلاء كما كان ما لم تطلق هندا .
والحاصل أنه إن علق طلاق إحدى الضرتين على وطء الأخرى كما إذا قال : إن وطئت فاطمة فهند طالق فإن تحتها صورتين : .
الصورة الأولى : أن يطلق هندا بما دون الثلاث وفي هذه الحالة ينحل الإيلاء وله وطء فاطمة . بشرط أن يتزوج بهند ثانيا فإن تزوج بها عاد الإيلاء من فاطمة ثانيا أما إن طلق هندا ثلاثا وتزوجت غيره وطلقها الزوج الثاني ورجعت للأول فإن الإيلاء لا يعود .
الصورة الثانية : أن يطلق فاطمة المحلوف على وطئها . ثم يتزوجها ثانيا وفي هذه الحالة إما إن يكون قد طلقها ثلاثا وتزوجها بعد أن تزوجت رجلا آخر وطلقها أو لا فإن كان الأول فإن الإيلاء ينحل وله وطؤها بدون أن تطلق ضرتها على المعتمد وقيل : لا ينحل وإن كان الثاني فإن إيلاءها لا ينحل باتفاق فإذا كان المولي مريضا وانقضت مدة الإيلاء وهو عاجز عن الوطء ولكنه طلق هندا ضرتها كان ذلك فيئة منه وانحل الإيلاء وليس لها أن تطالبه بعد ذلك بالوطء أو الطلاق .
الحالة الثانية : لإيلاء المريض العاجز عن الوطء والمحبوس أن يحلف على ترك وطئها يمينا غير قابل للانحلال قبل الحنث كما إذا قال لها : إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو ثنتين وقد جاء لأجل وهو مريض فإنه في هذه الحالة لا يمكنه حل الإيلاء بطلاقها طلقة واحدة . لأنه إن طلقها يقصد حل الإيلاء ثم وطئها وقع عليه طلقتان : الطلاق الذي حلفه على أن لا يطأها والطلاق الثاني لأن المطلقة رجعيا زوجة فطلاقها واحدة رجعية لم يخرجها عن الزوجيه فلو طلقها من غير وطء حسب عليه طلاق وإذا راجعها ووطئها وقع عليه الطلاق الأول فلا فائدة حينئذ من حل الإيلاء بل فيه ضرر وهو نقصان عدد الطلقات فإذا طلقها طلاقا بائنا انحل اليمين ولكن لا فائدة فيه فتركها بدون وطء يترتب عليه تطليقها رجعيا وهذا بائن فالأولى عدمه وحينئذ تكون فيئة المريض العاجز عن الوطء والمحبوس في هذه الحالة هي الوعد بالوطء بعد برئه أو بعد خلاصه من السجن ومتى وعد بذلك ارتفع حقها في الطلب بقدر ومثل ذلك ما إذا علق على وطئها نذرا معينا كما قال لها : إن وطئتك فعلي صوم شهر شعبان وانقضت مدة الإيلاء وهو مريض ولم يأت شعبان فإن النذر في هذه الحالة لا يمكن أداؤه فلا ينحل الإيلاء فتكون فيئة بالوعد وبذلك يتضح أن فيئة العاجز عن الوطء لمرض مؤقت أو سجن تكون بانحلال اليمين إذا كان يمكن إخراج الكفارة عنه قبل الحنث ويكون بالوعد إذا لم يكن .
هذا ولا تحصل الفيئة بالوطء في الدبر ولا بين الفخذين ولكنه إن فعل يحنث وتلزمه الكفارة إلا أن ينوي الوطء في الفرج فإنه لا يحنث بالوطء بين الفخذين ولا تلزمه الكفارة ولكن لا تسقط مطالبتها بالوطء أو الطلاق بذلك على كل حال وكذا لا تحصل الفيئة بالوطء المحرم كما إذا وطئها وهي حائض أو نفساء ولكن يحنث به أيضا ولا تسقط مطالبتها إلا إذا أخرج الكفارة .
وإذا كان بها مانع من الوطء كصغر ورتق أو مرض لا يمكن معه وطؤها فإن لها أن تطالب بالفيئة بمعنى الوعد بحيث يعدها بأن يطأها بعد زوال المانع منها .
هذا ولا تحصل الفيئة في البكر إلا بإزالة بكارتها وإذا آلى منها عاقل ثم جن ووطئها سقط حقها وبقيت الكفارة فلا يلزم به إلا بعد شفائه .
( يتبع . . . )